روي «أنّ شيخاً جاء إلى النبيّ ﷺ فقال: يا رسول الله إني شيخ منهمك في الذنوب إلا أني لم أشرك بالله شيئاً منذ عرفته وآمنت به، ولم أتخذ من دونه ولياً ولم أوقع المعاصي جراءة وما توهمت طرفة عين إني أعجز الله هرباً وإني لنادم تائب مستغفر فما ترى حالي عند الله فنزلت ﴿ومن يشرك با فقد ضل ضلالاً بعيداً﴾» عن الحق فإن الشرك أعظم أنواع الضلالة وأبعدها عن الصواب والاستقامة، وإنما ذكر في الآية الأولى (فقد افترى)؛ لأنها متصلة بقصة أهل الكتاب، ومنشأ شركهم نوع افتراء، وهو دعوى التبني على الله.
﴿إن﴾ أي: ما ﴿يدعون﴾ أي: يعبد المشركون ﴿من دونه﴾ أي غير الله ﴿إلا إناثاً﴾ وهي اللات والعزى ومناة، وعن الحسن لم يكن حيّ من أحياء العرب إلا ولهم صنم يعبدونه ويسمونه أنثى بني فلان، وقيل: كانوا يقولون في أصنامهم هنّ بنات الله، وقيل: المراد الملائكة لقولهم: الملائكة بنات الله ﴿وإن﴾ أي ما ﴿يدعون﴾ أي يعبدون بعبادتها ﴿إلا شيطاناً مريداً﴾ أي: خارجاً عن الطاعة وهو إبليس؛ لأنه الذي أمرهم بعبادتها وأغراهم عليها، فكانت طاعته في ذلك عبادة له.
(٢/٣٠٩)
---


الصفحة التالية
Icon