﴿و ما في السموات وما في الأرض وكفى با وكيلاً﴾ أي: شهيداً بأنّ ما فيهما له.
فإن قيل: ما فائدة تكرير لله ما في السموات وما في الأرض؟ أجيب: بأنّ لكل واحدة منها وجهاً أمّا الأوّل: فمعناه لله ما في السموات وما في الأرض وهو يوصيكم بالتقوى فاقبلوا وصيته، وأمّا الثاني: فمعناه لله ما في السموات وما في الأرض وكان الله غنياً حميداً أي: هو الغنيّ المطلق فاطلبوا منه ما تطلبون فإنه لا ينفد ما عنده، وأمّا الثالث: فمعناه لله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً ولا تتوكلوا على غيره فذكرت كل مرّة دليلاً على شيء غير الذي قبله، وكررت؛ لأنّ الدليل الواحد إذا كان دالاً على مدلولات يحسن أن يستدل به على كل واحد منها وإعادته مع كل واحد أولى من الاكتفاء بذكره مرّة واحدة؛ لأنّ إعادته تحضر في الذهن ما يوجب العلم بالمدلول فيكون العلم الحاصل بذلك المدلول أقوى وأجل، وفي ختم كل جملة بصفة من الصفات الحسنى تنبيه الذهن بها إلى أنّ هذا الدليل محتوٍ على أسرار شريفة ومطالب جليلة لا تنحصر، فيجتهد السامع في التفكّر لإظهار الأسرار والاستدلال على صفات الكمال؛ لأنّ الغرض الكلي من هذا الكتاب صرف العقول والأفهام عن الاشتغال بغير الله إلى الاستغراق في معرفته سبحانه وتعالى، وهذا التكرير مما يفيد حصول هذا المطلوب ويؤكده.
﴿إن يشأ يذهبكم﴾ أي: يفنكم ﴿أيها الناس﴾ كما أوجدكم ﴿ويأت بآخرين﴾ أي: ويوجد قوماً آخرين مكانكم أو خلقاً آخرين مكان الإنس ﴿وكان الله على ذلك﴾ أي: الإعدام والإيجاد ﴿قديراً﴾ أي: بليغ القدرة لا يمتنع عليه شيء أراده. وقيل: هذا خطاب لمن كان يعادي رسول الله ﷺ من العرب إن يشأ يمتكم ويأت بناس آخرين يوالونه.
وروي أنه لما نزلت ﴿إن يشأ يذهبكم﴾ الآية ضرب رسول الله ﷺ على ظهر سلمان وقال: «إنهم قوم هذا» أي: سلمان وهم بنو فارس.
(٢/٣٢٢)
---


الصفحة التالية
Icon