﴿وبكفرهم﴾ معطوف على (فبما نقضهم) ويجوز عطفه على (بكفرهم) وقد تكرر منهم الكفر؛ لأنهم كفروا بموسى، ثم بعيسى، ثم بمحمد ﷺ فعطف بعض كفرهم على بعض وكرر الباء للفصل بينه وبين ما عطف عليه ﴿وقولهم على مريم﴾ أي: بعدما ظهر على يديها من الكرامات الدالة على براءتها وإنها ملازمة للعبادة بأنواع الطاعات ﴿بهتاناً عظيماً﴾ وهو نسبتها إلى الزنا.
فإن قيل: كان مقتضى الظاهر أن يقول: في مريم. أجيب: بأنه ضمن القول معنى الافتراء وهو يتعدّى بعلى.
﴿وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله﴾ أي: بمجموع ذلك عذبناهم.
فإن قيل: كانوا كافرين بعيسى أعداء له عامدين لقتله يسمونه الساحر بن الساحرة والفاعل ابن الفاعلة فكيف قالوا: إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله؟ أجيب: بأنهم قالوه بزعم عيسى عندهم أو إنهم قالوه على وجه الاستهزاء كقول فرعون: ﴿إنّ رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون﴾ (الشعراء، ٢٧)
قال الزمخشري: ويجوز أن يضع الله الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنهم رفعاً لعيسى عليه الصلاة والسلام عما كانوا يذكرونه به اه.
قال الله تعالى تكذيباً لهم في قتله ﴿وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم﴾ أي: المقتول والمصلوب.
(٢/٣٣٨)
---
روى النسائي عن ابن عباس: «أنّ رهطاً من اليهود سبوه وسبوا أمّه فدعا عليهم فمسخهم الله قردة وخنازير فاجتمعت اليهود على قتله فأخبره الله تعالى بأنه يرفعه إلى السماء ويطهره من صحبة اليهود فقال لأصحابه: أيكم يرضى أن يلقى الله عليه شبهي فيقتل ويصلب ويدخل الجنة؟ فقال رجل منهم: أنا فألقى الله عليه شبهه فقتل وصلب». وقيل: كان رجلاً ينافق عيسى أي: يظهر له الإسلام ويخفي الكفر فلما أرادوا قتله قال: أنا أدلكم عليه فدخل في بيت عيسى فرفع عيسى عليه الصلاة والسلام، وألقى الله شبهه على المنافق فدخلوا عليه فقتلوه وصلبوه وهم يظنون أنه عيسى.


الصفحة التالية
Icon