ولما بين سبحانه وتعالى ما للمطبوع على قلوبهم الغريقين في الكفر من العقاب بين ما لنيري البصائر بالرسوخ في العلم والإيمان من الثواب فقال:
﴿لكن الراسخون﴾ أي: الثابتون المتمكنون ﴿في العلم منهم﴾ أي: من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه ﴿والمؤمنون﴾ أي: من المهاجرين والأنصار ﴿يؤمنون بما أنزل إليك﴾ أي: القرآن ﴿وما أنزل من قبلك﴾ أي: من سائر الكتب المنزلة وقوله تعالى: ﴿والمقيمين الصلاة﴾ نصب على المدح؛ لأنّ الصلاة لما كانت أعظم دعائم الدين ولذلك كانت ناهية عن الفحشاء والمنكر نصبت على المدح من بين هذه المرفوعات إظهاراً لفضلها.
وحكي عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأبان بن عثمان أنّ ذلك غلط من الكاتب ينبغي أن يكتب والمقيمون الصلاة، وكذلك قوله في سورة المائدة :﴿إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى﴾ وقوله تعالى: ﴿إنّ هذان لساحران﴾ (طه، ٦٣)
(٢/٣٤٢)
---
قالا: ذلك خطأ من الكاتب، وقال عثمان: إنّ في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها، فقيل له: ألا تغيره فقال: دعوه فإنه لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً وعامّة الصحابة وأهل العلم على إنه صحيح كما قدّمناه، وقيل: نصب بإضمار فعل تقديره: أعني المقيمين الصلاة، وقوله تعالى: ﴿والمؤتون الزكاة والمؤمنون با واليوم الآخر﴾ رجوع إلى النسق الأوّل ﴿أولئك سنؤتيهم﴾ بوعد لا خلف فيه على جمعهم بين الإيمان الصحيح والعمل الصالح ﴿أجراً عظيماً﴾ وهو الجنة والنظر إلى وجهه الكريم، وقوله تعالى:
(٢/٣٤٣)
---
﴿إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده﴾ جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله ﷺ أن ينزل عليهم كتاباً من السماء، واحتجاج عليهم بأنّ شأنه في الوحي إليه كشأن سائر الأنبياء الذين سلفوا، وبدأ بذكر نوح عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان أبا البشر مثل آدم عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى: ﴿وجعلنا ذريته هم الباقين﴾ (الصافات، ٧٧)
(٢/٣٤٤)
---


الصفحة التالية
Icon