؛ ولأنه أوّل نبيّ من أنبياء الشريعة وأول نذير على الشرك وأوّل من عذبت أمته لردهم دعوته، وأهلك أهل الأرض بدعائه، وكان أطول الأنبياء عمراً، وجعلت معجزته في نفسه؛ لأنه عمر ألف سنة فلم ينقص له سن ولم يشب له شعرة ولم تنقص له قوّة ولم يصبر أحد على أذى قومه ما صبر هو على طول عمره ﴿و﴾ كما ﴿أوحينا إلى إبراهيم وإسمعيل وإسحق﴾ بني إبراهيم ﴿ويعقوب﴾ بن إسحق ﴿والأسباط﴾ أولاد يعقوب وظاهر هذا أنهم كلهم أنبياء وهو أحد قوليه، والقول الآخر: أن يوسف هو النبي فقط وعلى هذا فالمراد المجموع ﴿وعيسى وأيوب ويونس وهرون وسليمان وآتينا﴾ أباه ﴿داود زبوراً﴾ قرأ حمزة بضم الزاي مصدر بمعنى مزبوراً أي: مكتوباً، والباقون بالنصب على إنه إسم للكتاب المؤتى، وكان فيه التحميد والتمجيد والثناء على الله عز وجلّ.
كان داود يبرز إلى البرية فيقوم ويقرأ الزبور ويقوم معه علماء بني إسرائيل، فيقومون خلفه، ويقوم الناس خلف العلماء، ويقوم الجن خلف الناس الأعظم فالأعظم، والشياطين خلف الجن، وتجيء الدواب التي في الجبال فيقمن بين يديه تعجباً لما يسمعن منه، والطير ترفرف على رؤوسهم، فلما قارف الذنب لم ير ذلك فقيل له: ذاك أنس الطاعة وهذا وحشة المعصية، قال السيوطي في شرح التنبيه: إنّ الزبور مئة وخمسون سورة ما بين قصار وطوال، والطويلة منها قدر ربع حزب، والقصيرة قدر سورة النصر اه.
وعن أبي موسى قال: قال لي رسول الله ﷺ «لو رأيتني البارحة وأنا أسمع لقراءتك لقد أعطيت مزماراً من مزامير داود» وكان عمر إذا رآه قال: ذكرنا يا أبا موسى فيقرأ عنده، وإنما خص هؤلاء بالذكر مع اشتمال النبيين عليهم تعظيماً لهم، وقوله تعالى: ﴿ورسلاً﴾ أي: غير هؤلاء نصب بمضمر دل عليه أوحينا إليك مثل أرسلنا ﴿قد قصصناهم﴾ أي: تلونا ذكرهم ﴿عليك من قبل﴾ أي: قبل إنزال هذه السورة أو هذه الآية ﴿ورسلاً لم نقصصهم عليك﴾ أي: إلى الآن.
(٢/٣٤٥)
---


الصفحة التالية
Icon