فإن قيل: ما فائدة هذه الحال وقد استغنى عنها بعلمتم؟ أجيب: بأنّ فائدتها أن يكون من يعلم الجوارح فقيهاً عالماً بالشرائط المعتبرة في الشرع لحل الصيد، وفي هذا فائدة جليلة وهي أنّ على كل طالب لشيء أن لا يأخذه إلا من أجلّ العلماء به وأشدّهم دراية له وأغوصهم على لطائفه وحقائقه، وإن احتاج في ذلك إلى أن يضرب إليه أكباد الإبل فكم من أخذ من غير متقن قد ضيّع أيامه وعض عند لقاء التحارير أنامله ﴿مما علمكم الله﴾ أي: من علم التكليب لأنه إلهام من الله تعالى أو مكتسب بالعقل الذي هو منحة منه أو مما علمكم الله أن تعلموه من اتباع الصيد بإرسال صاحبه وانزجاره بزجره وانصرافه بدعائه وإمساك الصيد عليه وأن لا يأكل منه. ﴿فكلوا مما أمسكن﴾ أي: الجوارح مستقرّاً إمساكها ﴿عليكم﴾ أي: على تعليمكم وإن قتلته بأن لم تأكل منه بخلاف غير المعلّمة فلا يحل صيدها وشروط التعليم فيها ثلاثة أشياء: إذا أرسلت استرسلت، وإذا زجرت انزجرت، وإذا أخذت الصيد أمسكته ولم تأكل منه، وأقل ما يعرف به ذلك ثلاث مرات فإن أكلت منه فليس مما أمسكن على صاحبها فلا يحل أكله كما في حديث الصحيحين، وإن أكل منه فلا تأكل، منه إنما أمسك على نفسه. وعن علي رضي الله تعالى عنه: إذا أكل البازي فلا تأكل وإلى هذا ذهب أكثر الفقهاء وبعضهم لا يشترط ذلك في سباع الطير؛ لأن تأدبها إلى هذا الحدّ متعذر وقال آخرون: لا يشترط مطلقاً وفي هذا الحديث إنّ صيد السهم إذا أرسل وذكر اسم الله عليه كصيد المعلم من الجوارح.
(١٥/١٤)
---