فإن قيل: هلا قال من النصارى؟ أجيب: بأنهم إنما سموا أنفسهم بذلك ادّعاء لنصرة الله تعالى لقولهم لعيسى: ﴿نحن أنصار الله﴾ (آل عمران، ٥٢) وليسوا موصوفين به قال الحسن: فيه دليل على أنهم نصارى بتسميتهم لا بتسمية الله تعالى ﴿فنسوا﴾ أي: تركوا ترك الناسي ﴿حظاً﴾ أي: نصيباً عظيماً يتنافس في مثله ﴿مما ذكّروا به﴾ أي: في الإنجيل من الإيمان ومن أوصاف محمد ﷺ وغير ذلك ونقضوا الميثاق ﴿فأغرينا﴾ أي: أوقعنا ﴿بينهم﴾ أي: النصارى بعد أن جعلناهم فرقاً متباينين وهم نسطورية ويعقوبية وملكانية وكذا بينهم وبين اليهود ﴿العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة﴾ أي: بتفرّقهم واختلاف أهوائهم فكل فرقة تكفر الأخرى وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير بتحقيق الهمزة الأولى وتسهيل الثانية والباقون بتحقيقهما ﴿وسوف ينبئهم الله﴾ أي: يجزيهم في الآخرة ﴿بما كانوا يصنعون﴾ فيجازيهم عليه.
وقوله تعالى: ﴿يا أهل الكتاب﴾ خطاب لليهود والنصارى ووحد الكتاب لأنه للجنس ﴿قد جاءكم رسولنا﴾ وهو أفضل الخلق محمد ﷺ ﴿يبين لكم﴾ أي: يوضح إيضاحاً شافياً ﴿كثيراً مما كنتم تخفون﴾ أي: تكتمون ﴿من الكتاب﴾ أي: التوراة والإنجيل كنعت محمد ﷺ وآية الرجم في التوراة وبشارة عيسى وأحمد في الإنجيل ﴿ويعفو عن كثير﴾ أن مما تخفونه فلا يبينه إذا لم يكن فيه مصلحة في أمر ديني أو عن كثير منكم فلا يؤاخذه بجرمه ﴿قد جاءكم من الله نور﴾ هو محمد ﷺ الذي جلا ظلمات الشك والشرك ﴿وكتاب﴾ هو القرآن العظيم ﴿مبين﴾ أي: بين في نفسه مبين لما كان خافياً على الناس من الحق.
(١٥/٣٤)
---