﴿يأيها الرسول بلغ﴾ جميع ﴿ما أنزل إليك من ربك﴾ أي: لا تكتم شيئاً منه خوفاً أن تنال بمكروه ﴿وإن لم تفعل﴾ أي: وإن لم تبلغ جميع ما أنزل إليك ﴿فما بلغت رسالته﴾ أي: لأنّ كتمان بعضها ككتمان كلها أي: ولأنّ بعضها ليس بالأولى بالأداء من بعض فإذا لم تؤدّ بعضها فكأنك أغفلت أداءها جميعاً، كما أن من لم يؤمن ببعضها كان كمن لم يؤمن بكلها، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن كتمت آية لم تبلغ رسالتي واختلف في سبب نزول هذه الآية فقيل: نزلت في عتب اليهود وذلك أنّ النبيّ ﷺ دعاهم إلى الإسلام فقالوا: أسلمنا قبلك وجعلوا يستهزؤون به ويقولون: تريد أن نتخذك حناناً كما اتخذت النصارى عيسى حناناً فلما رأى النبيّ ﷺ ذلك نزلت هذه الآية وقيل: نزلت في الجهاد وذلك أنّ المنافقين كانوا يكرهونه فكان يمسك أحياناً من حثهم على الجهاد وقيل: لما نزلت آية التخيير وهي قوله تعالى: ﴿يأيها النبيّ قل لأزواجك﴾ (الأحزاب، ٢٨) فلم يعرضها عليهنّ خوفاً من اختيارهنّ الدنيا فنزلت وقيل غير ذلك وقرأ نافع وابن عامر وشعبة بألف بعد اللام وكسر التاء والباقون بغير ألف ونصب التاء ﴿وا يعصمك من الناس﴾ أي: يحفظك ويمنعك منهم.
فإن قيل: أليس قد شج وجهه وكسرت رباعيته ﷺ وأوذي بضروب من الأذى؟ أجيب: بأنّ معناه يعصمك من القتل فلا يصلون إلى قتلك، وفي هذا تنبيه على أنه يجب عليه أن يحتمل كل ما دون النفس من أنواع البلايا فما أشدّ تكليف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقيل: نزلت هذه الآية بعدما شج رأسه لأنّ سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن.
(١٥/٩٢)
---


الصفحة التالية
Icon