وروى إسحاق بن راهويه في مسنده عن النبيّ ﷺ أنه قال: «بعثني الله برسالاته فضقت بها ذرعاً فأوحى الله إليّ إن لم تبلغ رسالاتي عذبتك وضمن لي العصمة فقويت» وعن أنس رضي الله تعالى عنه: كان رسول الله ﷺ يحرس حتى نزلت فأخرج رأسه من قبة أدم فقال: «انصرفوا يا أيها الناس فقد عصمني الله من الناس» قال البيضاويّ وظاهر الآية يوجب تبليغ كل ما أنزل ولعل المراد بالتبليغ ما يتعلق به مصالح العباد وقصد بإنزاله اطلاعهم عليه فإن من الأسرار الإلهية ما يحرم إفشاؤه اه.
قال بعض العارفين: ولهذا قال تعالى: ﴿بلغ ما أنزل إليك﴾ ولم يقل ما تعرّفنا به إليك، واعلم أنّ المراد من الناس ههنا الكفار بدليل قوله تعالى: ﴿إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين﴾ أي: لا يمكنهم مما يريدون.
وروي «أنه عليه الصلاة والسلام نزل تحت شجرة في بعض أسفاره وعلق سيفه عليها فأتاه أعرابيّ وهو نائم وأخذ سيفه واخترطه وقال: من يمنعك مني يا محمد؟ قال: «الله تعالى» فرعدت يد الأعرابيّ وسقط من يده وضرب رأسه الشجرة حتى انتثر دماغه».
﴿قل يا أهل الكتاب لستم على شيء﴾ أي: دين يعتد به حتى يسمى شيئاً لفساده وبطلانه كما تقول هذا ليس بشيء تريد تحقيره وتصغير شأنه، وفي أمثالهم أقل من لا شيء ﴿حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم﴾ أي: بأن تعملوا بما فيها ومن إقامتهما الإيمان بمحمد ﷺ والإذعان لحكمه فإن الكتب الإلهية بأسرها آمرة بالإيمان بمن صدقته المعجزة ناطقة بوجوب الطاعة له والمراد إقامة أصولها وما ينسخ من فروعها ﴿وليزيدنّ كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك﴾ أي: من القرآن ﴿طغياناً وكفراً﴾ لكفرهم به ﴿فلا تأس﴾ أي: تحزن ﴿على القوم الكافرين﴾ إن لم يؤمنوا بك أي: لا تهتم بهم فإن ضرر ذلك لا حق بهم لا يتخطاهم وفي المؤمنين مندوحة عنهم لك.
(١٥/٩٣)
---