﴿إن الله لا يستحيي﴾ أي: لا يترك ﴿أن يضرب مثلاً مّا بعوضة﴾ وهي صغيرة البق ترك من يستحيي أن يمثل بها لحقارتها وأن بصلتها مخفوض المحل عند الخليل بإضمار من منصوب بإفضاء الفعل إليه بعد حذف من عند سيبويه، ويجوز كما في «الكشاف» نصبه بإفضاء الفعل إليه بنفسه فإن استحيا يتعدّى بنفسه أيضاً، يقال: استحييت منه واستحييته، وما إمّا إبهامية تزيد النكرة قبلها إبهاماً وإمّا مزيدة لتأكيد معنى مضمون الجملة قبلها كالتي في قوله تعالى: ﴿فبما رحمة من الله﴾ (آل عمران، ١٥٩) ولا يراد بالمزيد اللغو الضائع فإن القرآن كله هدى وبيان بل المراد بالمزيد ما لم يوضع لمعنى يراد منه وإنما وضعت لأن تذكر مع غيرها فتفيده وثاقة وقوّة وهو زيادة في الهدى غير قادح في القرآن، وبعوضة عطف بيان أو بدل من مثلاً أو مفعول ثان ليضرب بمعنى يجعل، والحياء انقباض النفس عن القبيح مخافة الذم وهو الوسط بين الوقاحة التي هي الجراءة على القبائح وعدم المبالاة بها وبين الخجل الذي هو انحصار النفس عن الفعل مطلقاً فإذا وصف به الباري سبحانه وتعالى كما جاء في الحديث «إنّ الله يستحي من ذي الشيبة المسلم أن يعذبه» «إنّ الله حييّ كريم يستحي إذا رفع العبد يديه أن يردّهما صفراً حتى يضع فيهما خيراً» فالمراد به الترك كما قدّرته اللازم للانقباض كما أنّ المراد من رحمته وغضبه إصابة المعروف والمكروه اللازمين لمعنييهما، وتحتمل الآية خاصة أن يكون مجيء الحياء فيها للمشاكلة وهو أن يذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته ولو تقديراً كما هنا وهو قول الكفرة: أما يستحيي رب محمد أن يضرب مثلاً بالذباب والعنكبوت.
(١/٨٥)
---