ثم بين سبحانه وتعالى صفة الفاسقين بقوله: ﴿الذين ينقضون عهد الله﴾ وهو إمّا المأخوذ بالعقل وهو الحجة القائمة على عباده الدالة على توحيده ووجوب وجوده وصدق رسله وعليه يدلّ قوله تعالى: ﴿وأشهدهم على أنفسهم﴾ (الأعراف، ١٧٢) وإمّا المأخوذ بالرسل على الأمم بأنهم إذا بعث إليهم رسول مصدّق بالمعجزات صدّقوه واتبعوه ولم يكتموا أمره ولم يخالفوا حكمه وعليه يدل قوله تعالى: ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب﴾ (آل عمران، ١٨٧) الآية وقيل: عهود الله ثلاثة: عهد أخذه بواسطة العقل على جميع ذرّية آدم بأن يقروا بربوبيته، وعهد أخذه بواسطة الملك على النبيين بأن يقيموا الدين ولا يتفرّقوا فيه، وعهد أخذه بواسطة الرسل على العلماء بأن يبينوا الحق ولا يكتموه، وقوله تعالى: ﴿من بعد ميثاقه﴾ أي: توكيده، يحتمل عود الضمير للعهد فهو من إضافة المصدر إلى المفعول أو لله فهو من إضافة المصدر إلى الفاعل، قال البيضاويّ: ويحتمل أن يكون بمعنى المصدر واعترض: بأنّ النحويين لم يذكروا مفعالاً في صيغ المصادر، وأصله أن يكون وصفاً كمطعام ومسقام. وأجيب: بحمل ذلك على أنه اسم واقع موقع المصدر كما يشير إليه قوله بمعنى المصدر: ﴿ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل﴾ وهو الرحم لأنهم قطعوا رحم النبيّ ﷺ بالمعاداة معه، ويحتمل كل قطيعة لا يرضاها الله تعالى كقطع الرحم والإعراض عن موالاة المؤمنين والتفرقة بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والكتب في التصديق وترك الجماعات وسائر ما فيه رفض خير أو تعاطي شرّ فإنه يقطع الوصلة بين الله وبين العبد المقصودة بالذات من كل وصل وفصل والأمر هو القول الطالب للفعل، وقيل: مع العلوّ، وقيل: مع الاستعلاء، وأن يوصل بدل من الهاء، وقرأ ورش بتغليظ اللام وصلاً وإذا وقف رقق وغلظ وأدغم خلف النون في الياء بغير غنة ﴿ويفسدون في الأرض﴾ بالمعاصي وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد ﷺ والاستهزاء