﴿إني وجهت وجهي﴾ أي: أخلصت قصدي وصرفت عبادتي ﴿للذي فطر السموات والأرض﴾ أي: خلقهما وابتدعهما وهو الله تعالى ﴿حنيفاً﴾ أي: مائلاً إلى الدين القويم عن كل دين يخالفه وأصل الحنيف الميل وهو عن طريق الضلال إلى طريق الاستقامة، وقيل: الحنيف هو الذي يستقبل الكعبة بصلاته ﴿وما أنا من المشركين﴾ تبرأ من الشرك الذي كان عليه قومه أي: وما أنا منكم ولا أعدّ في عدادكم بشيء أقاربكم به.
﴿وحاجه قومه﴾ أي: خاصموه في التوحيد وهددوه بالأصنام أن تصيبه بسوء إن لم يرجع عن الكلام فيها ﴿قال﴾ لهم ﴿أتحاجوني﴾ أي: أتجادلونني ﴿في الله﴾ أي: في وحدانيته، وقرأ نافع وابن عامر بتخفيف النون وهي نون الرفع عند النحاة ونون الوقاية عند الفراء، والباقون بالتشديد ﴿وقد﴾ أي: والحال إنه قد ﴿هداني﴾ إلى توحيده ومعرفته ﴿ولا أخاف ما تشركون به﴾ شيئاً وذلك إن إبراهيم لما رجع إلى أبيه وصار من الشباب بحالة سقط عنه طمع الذباحين أي: ذباحي نمروذ وضمه آزر إلى نفسه وجعل آزر يصنع الأصنام ويعطيها لإبراهيم ليبيعها فيذهب بها إبراهيم وينادي من يشتري ما يضره ولا ينفعه؟ فلا يشتريها أحد فإذا بارت عليه ذهب بها إلى نهر فصوب رؤوسها وقال: اشربي استهزاء بقومه وما هم عليه حتى فشا استهزاؤه بها في قومه وأهل قريته فقالوا له: احذر الأصنام فإنا نخاف أن تمسك بخبل أو جنون بعيبك إياها فقال: إنما يكون الخوف ممن يقدر على النفع والضر وهو قوله تعالى: ﴿إلا أن يشاء ربي شيئاً﴾ وهذا استثناء منقطع معناه لكن إن شاء ربي شيئاً من المكروه يصيبني فيكون لأنه قادر على النفع والضر وإنما قال إبراهيم ذلك لاحتمال إنّ الإنسان قد يصيبه في بعض حالاته وأيام عمره وما يكرهه فلو أصابه مكروه نسبوه إلى الأصنام فنفى هذه الشبهة بذلك ﴿وسع ربي كل شيء علماً﴾ أي: أحاط علمه بكل شيء من معلومه ﴿أفلا تتذكرون﴾ أي: يقع منكم تذكر فتميزوا بين الحق والباطل والقادر والعاجز.
(١٥/٢١٠)
---