"اللهم علمه الحكمة" وفي رواية: "اللهم علمه الكتاب"، وهو مفسِّر لما قبله، وأن المراد بالحكمة: علم القرآن، وكان ابن عباس من أعلم الصحابة بتفسير القرآن، قال فيه ابن مسعود: "نِعْمَ ترجمان القرآن ابن عباس" رواه ابن سعد، والبيهقي في الدلائل، وقد عرف بغزارة العلم، حتى لقب بالحبر، والبحر، وكانت له مدرسة لها سماتها وخصائصها، وأصحاب يقومون بعلمه، ويقولون بقوله، ونشروا علمه على أوسع ما يكون النشر، ولعلك على ذكر من مقالة ابن المديني الآنفة، وكان الفاروق عمر رضي الله عنه يجلسه على حداثة سنة في مجلسه ويعرف قدره حتى كان يدخله مجسه مع الأشياخ من الصحابة، يروي عن الحسن البصري: أن ابن عباس كان من القرآن بمنزل، كان عمر يقول: "ذاكم فتى الكهول، إن له لسانا سئولا، وقلبا عقولا" وقد مر أنه لما وجد بعض الصحابة من إدخاله معهم، وقالوا: إن لنا أبناء مثله دعاه، ودعاهم، ثم سألهم وسأله، فتبين لهم أنه ليس كغيره، وأن له من العلم ما يؤهله لذلك، ومن أراد زيادة في هذا فليرجع إلى الإتقان١.
وقال الأعمش عن أبي وائل: "استخلف علي عبد الله بن عباس على الموسم، فخطب الناس، فقرأ في خطبته سورة البقرة، وفي رواية: سورة النور، ففسرها تفسيرا لو سمعته الروم والترك، والديلم لأسلموا"٢.
وقد ورد عنه في تفسير القرآن ما لا يحصى كثرة، ورويت عنه من طرق كثيرة، وفيها الصحيح، والحسن، والضعيف، بل والموضوع شيء كثير، وأما التفسير المطبوع المنسوب إليه، ففي صحة نسبته إليه شك غير قليل، وليس هنا موضع بيان ذلك.
وقد نقد أئمة الحديث، وصيارفته العارفون بالرجال جرحا، وتعديلا، وبالعلل المرويات عنه، وطرقها عنه، وبيَّنوا الغث من السمين، والمقبول من المردود. وما حمله عن أهل الكتاب الذين أسلموا من الإسرائيليات، مما حمله عن غيرهم، وسنعرض لذلك بالتفصيل في نقد التفسير بالمأثور إن شاء الله تعالى، وكانت وفاته بالطائف سنة ثمانٍ وخمسين للهجرة، وقبره هناك معروف، فرضي الله عنه وأرضاه.

١ الإتقان جـ ٢ ص ١٨٧، ١٨٨.
٢ مقدمة في أصول التفسير ص ٤٥.


الصفحة التالية
Icon