وَمَعْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ : الْخَبَرُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَمَّا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ وَأُمَّتِهِ، مِنَ الْفَضِيلَةِ وَالْكَرَامَةِ الَّتِي لَمْ يُؤْتِهَا أَحَدًا فِي تَنْزِيلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ كِتَابٍ تَقَدَّمَ كِتَابَنَا نُزُولُهُ، عَلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ، صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانٍ وَاحِدٍ، مَتَى حُوِّلَ إِلَى غَيْرِ اللِّسَانِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ، كَانَ ذَلِكَ لَهُ تَرْجَمَةً وَتَفْسِيرًا، لاَ تِلاَوَةً لَهُ عَلَى مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ، وَأَنْزَلَ كِتَابَنَا بِأَلْسُنٍ سَبْعَةٍ، بِأَيِّ تِلْكَ الأَلْسُنِ السَّبْعَةِ تَلاَهُ التَّالِي، كَانَ لَهُ تَالِيًا عَلَى مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ، لاَ مُتَرْجَمًا وَلاَ مُفَسَّرًا، حَتَّى يُحَوِّلَهُ عَنْ تِلْكِ الأَلْسُنِ السَّبْعَةِ إِلَى غَيْرِهَا، فَيَصِيرُ فَاعِلُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ إِذَا أَصَابَ مَعْنَاهُ مُتَرْجِمًا لَهُ، كَمَا كَانَ التَّالِي ِبَعْضِ الْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ بِلِسَانٍ وَاحِدٍ، إِذَا تَلاَهُ بِغَيْرِ اللِّسَانِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ، لَهُ مُتَرْجِمًا لاَ تَالِيًا عَلَى مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ بِهِ.
فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَ الْكِتَابُ الأَوَّلُ نَزَلَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ.
وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْكِتَابَ الأَوَّلَ نَزَلَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنَى بِقَوْلِهِ : نَزَلَ الْكِتَابُ الأَوَّلُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا نَزَلَ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ، عَلَى مَنْ أَنْزَلَهُ مِنْ أَنْبِيَائِهِ خَالِيًا مِنَ الْحُدُودِ وَالأَحْكَامِ وَالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ، كَزَبُورِ دَاوُدَ، الَّذِي إِنَّمَا هُوَ تَذْكِيرٌ وَمَوَاعِظٌ، وَإِنْجِيلَ عِيسَى، الَّذِي هُوَ تَمْجِيدٌ وَمَحَامِدُ وَحَضٌّ عَلَى الصَّفْحِ وَالإِعْرَاضِ، دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي نَزَلَتْ بِبَعْضِ الْمَعَانِي السَّبْعَةِ الَّتِي يَحْوِي جَمِيعَهَا كِتَابُنَا الَّذِي خَصَّ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُمَّتَهُ.


الصفحة التالية
Icon