وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ﴾ فَإِنَّهُ يَقُولُ : أَنَا الَّذِي إِلَيَّ أَمْرُ هَؤُلاَءِ الْمُشْرِكِينَ فَارَقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، وَالْمُبَتَدَعَةُ مِنْ أُمَّتِكَ الَّذِينَ ضَلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ، دُونَكَ وَدُونَ كُلِّ أَحَدٍ، إِمَّا بِالْعُقُوبَةِ إِنْ أَقَامُوا عَلَى ضَلاَلَتِهِمْ وَفُرْقَتِهِمْ دِينَهُمْ فَأُهْلِكُهُمْ بِهَا، وَإِمَّا بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ بِالتَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ وَالتَّفَضُّلِ مِنِّي عَلَيْهِمْ. ﴿ثُمَّ يُنَبِّئْهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ يَقُولُ : ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ فِي الآخِرَةِ عِنْدَ وُرُودِهِمْ عَلَيَّ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ، فَأُجَازِي كُلًّا مِنْهُمْ بِمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَفْعَلُونَ، الْمُحْسِنُ مِنْهُمْ بِالإِحْسَانِ وَالْمُسِيءُ بِالإِسَاءَةِ. ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَا مَبْلَغُ جَزَائِهِ مَنْ جَازَى مِنْهُمْ بِالإِحْسَانِ أَوْ بِالإِسَاءَةِ، فَقَالَ :﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : مَنْ وَافَى رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي مَوْقِفِ الْحِسَابِ مِنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا بِالتَّوْبَةِ وَالإِيمَانِ وَالإِقْلاَعِ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مُقِيمٌ مِنْ ضَلاَلَتِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْحَسَنَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فَقَالَ : مَنْ جَاءَ بِهَا فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا.
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ :﴿فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ فَلَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ أَمْثَالَ حَسَنَتِهِ الَّتِي جَاءَ بِهَا. ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ يَقُولُ : وَمَنْ وَافَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْهُمْ بِفِرَاقِ الدِّينِ الْحَقِّ وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ، فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مَا سَاءَهُ مِنَ الْجَزَاءِ، كَمَا وَافَى اللَّهُ بِهِ مِنْ عَمَلِهِ السَّيِّئِ.


الصفحة التالية
Icon