وَقَدْ رَجَعَ فِي قَوْلِهِ :﴿أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ إِلَى خُصُوصِ الْخَبَرِ عَنْ سُكَّانِهَا دُونَ مَسَاكِنِهَا لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَأْسِ كَانَ السُّكَّانَ وَإِنْ كَانَ فِي هَلاَكِهِمْ هَلاَكُ مَسَاكِنِهِمْ وَخَرَابُهَا. وَلَوْ قِيلَ :(أَوْ هِيَ قَائِلَةٌ) كَانَ صَحِيحًا إِذْ كَانَ السَّامِعُونَ قَدْ فَهِمُوا الْمُرَادَ مِنَ الْكَلاَمِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : أَوَ لَيْسَ قَوْلُهُ :﴿أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ خَبَرًا عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي أَتَاهُمْ فِيهِ بَأْسُ اللَّهِ مِنَ النَّهَارِ ؟
قِيلَ : بَلَى.
فَإِنْ قَالَ : أَوَ لَيْسَ الْمَوَاقِيتُ فِي مِثْلِ هَذَا تَكُونُ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ بِالْوَاوِ الدَّالِّ عَلَى الْوَقْتِ ؟
قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ يَحْذِفُونَ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ اسْتِثْقَالاً لِلْجَمْعِ بَيْنَ حَرْفَيْ عَطْفٍ، إِذْ كَانَ (أَوْ) عِنْدَهُمْ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ، وَكَذَلِكَ الْوَاوُ، فَيَقُولُونَ : لَقِيتَنِي مُمْلِقًا أَوْ أَنَا مُسَافِرٌ، بِمَعْنَى : أَوْ أَنَا مُسَافِرٌ، فَيَحْذِفُونَ الْوَاوَ وَهُمْ مُرِيدُوهَا فِي الْكَلاَمِ لِمَا وَصَفْتُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : فَلَمْ يَكُنْ دَعْوَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا وَسَطْوَتُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ، إِلاَّ اعْتِرَافُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ مُسِيئِينَ وَبِرَبِّهِمْ آثِمِينَ وَلِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مُخَالِفِينَ.


الصفحة التالية
Icon