وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ قِيلِهِ لِإِبْلِيسَ إِذْ عَصَاهُ فَلَمْ يَسْجُدْ لِآدَمَ إِذْ أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لَهُ، يَقُولُ :﴿قَالَ﴾ اللَّهُ لِإِبْلِيسَ :﴿مَا مَنَعَكَ﴾ : أَيُّ شَيْءٍ مَنَعَكَ ﴿أَلاَّ تَسْجُدَ﴾ : أَنْ تَدَعَ السُّجُودَ لِآدَمَ، ﴿إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ أَنْ تَسْجُدَ. ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ يَقُولُ : قَالَ إِبْلِيسُ : أَنَا خَيْرٌ مِنْ آدَمَ، ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلْقَتَهُ مِنْ طِينٍ﴾.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : أَخْبِرْنَا عَنْ إِبْلِيسَ، أَلْحَقَتْهُ الْمَلاَمَةُ عَلَى السُّجُودِ أَمْ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ ؟ فَإِنْ تَكُنْ لَحِقَتْهُ الْمَلاَمَةُ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ، فَكَيْفَ قِيلَ لَهُ :﴿مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾، وَإِنْ كَانَ النَّكِيرُ عَلَى السُّجُودِ، فَذَلِكَ خِلاَفُ مَا جَاءَ بِهِ التَّنْزِيلُ فِي سَائِرِ الْقُرْآنِ، وَخِلاَفُ مَا يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ.
قِيلَ : إِنَّ الْمَلاَمَةَ لَمْ تَلْحَقْ إِبْلِيسَ إِلاَّ عَلَى مَعْصِيَتِهِ رَبَّهُ بِتَرْكِهِ السُّجُودَ لِآدَمَ إِذْ أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لَهُ، غَيْرَ أَنَّ فِيَ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ :﴿مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ بَيْنَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلاَمِ الْعَرَبِ اخْتِلاَفًا أَبْدَأُ بِذِكْرِ مَا قَالُوا، ثُمَّ أَذْكُرُ الَّذِي هُوَ أَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ.
فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ : مَعْنَى ذَلِكَ : مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ، وَ (لاَ) هَهُنَا زَائِدَةٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :

أَبَى جُودُهُ لاَ الْبُخْلَ وَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ نَعَمْ مِنْ فَتًى لاَ يَمْنَعُ الْجُودُ قَاتِلَهْ
وَقَالَ : فَسَّرَتْهُ الْعَرَبُ : أَبَى جُودُهُ الْبُخْلَ، وَجَعَلُوا (لاَ) زَائِدَةً حَشْوًا هَهُنَا وَصَلُوا بِهَا الْكَلاَمَ.


الصفحة التالية
Icon