فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ قَالَ لَهُ إِذْ سَأَلَهُ الإِنْظَارَ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ :﴿إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَدْ أَجَابَهُ إِلَى مَا سَأَلَ ؟
قِيلَ لَهُ : لَيْسَ الأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ مُجِيبًا لَهُ إِلَى مَا سَأَلَ لَوْ كَانَ قَالَ لَهُ : إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي سَأَلْتَ، أَوْ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، أَوْ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى إِجَابَتَهِ إِلَى مَا سَأَلَ مِنَ النَّظِرَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ فَلاَ دَلِيلَ فِيهِ لَوْلاَ الآيَةُ الأُخْرَى الَّتِي قَدْ بَيَّنَ فِيهَا مُدَّةَ إِنْظَارِهِ إِيَّاهُ إِلَيْهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي أَنْظَرَهُ إِلَيْهَا، لِأَنَّهُ إِذَا أَنْظَرَهُ يَوْمًا وَاحِدًا أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، فَقَدْ دَخَلَ فِي عِدَادِ الْمُنْظَرِينَ وَتَمَّ فِيهِ وَعْدُ اللَّهِ الصَّادِقُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ بَيَّنَ قَدْرَ مُدَّةِ ذَلِكَ بِالَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَعَلِمَ بِذَلِكَ الْوَقْتَ الَّذِي أُنْظِرَ إِلَيْهِ.
وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ السُّدِّيُّ يَقُولُ.
١٤٤٢٠- حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ :﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ فَلَمْ يُنْظِرْهُ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، وَلَكِنْ أَنْظَرَهُ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ، وَهُوَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ النَّفْخَةَ الأُولَى، فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ، فَمَاتَ.
فَتَأْوِيلُ الْكَلاَمِ : قَالَ إِبْلِيسُ لِرَبِّهِ : أَنْظِرْنِي، أَيْ أَخِّرْنِي وَأَجِّلْنِي، وَأَنْسِئْ فِي أَجْلِي، وَلاَ تُمِتْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، يَقُولُ : إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُ الْخَلْقِ. فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ :﴿إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ إِلَى يَوْمِ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ.