ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
١٥٩٧٩- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ :﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ قَالَ : هِيَ كَقَوْلِهِ ﴿أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾.
وَأَوْلَى الأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ أَمْلَكُ لِقُلُوبِ عِبَادِهِ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا إِذَا شَاءَ، حَتَّى لاَ يَقْدِرَ ذُو قَلْبٍ أَنْ يُدْرِكَ بِهِ شَيْئًا مِنْ إِيمَانٍ أَوْ كُفْرٍ، أَوْ أَنْ يَعِيَ بِهِ شَيْئًا، أَوْ أَنْ يَفْهَمَ إِلاَّ بِإِذْنِهِ وَمَشِيئَتِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْحَوْلَ بَيْنَ الشَّيْءِ وَالشَّيْءِ إِنَّمَا هُوَ الْحَجْزُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا حَجَزَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْنَ عَبْدٍ وَقَلْبِهِ فِي شَيْءٍ أَنْ يُدْرِكَهُ أَوْ يَفْهَمَهُ، لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ إِلَى إِدْرَاكِ مَا قَدْ مَنَعَ اللَّهُ قَلْبَهُ إِدْرَاكَهُ سَبِيلٌ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، دَخَلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكُفْرِ وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَالإِيمَانِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَقْلِهِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ حَتَّى لاَ يَسْتَطِيعَ أَنْ يُؤْمِنَ وَلاَ يَكْفُرَ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَالَ بَيْنَ عَبْدٍ وَقَلْبِهِ لَمْ يَفْهَمِ الْعَبْدُ بِقَلْبِهِ الَّذِي قَدْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَا مَنَعَ إِدْرَاكَهُ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنْتُ. غَيْرَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَمَّ بِقَوْلِهِ :﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ الْخَبَرَ عَنْ أَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَقَلْبِهِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَا شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ، وَالْكَلاَمُ مُحْتَمِلٌ كُلَّ هَذِهِ الْمَعَانِي، فَالْخَبَرُ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى يَخُصَّهُ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ.