فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ : مَعْنَى ذَلِكَ : مَا كَانَ لَهُمُ الاِسْتِغْفَارُ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ﴾ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ الإِيمَانُ ﴿إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾.
وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ : مَعْنَاهُ : مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُمْ. قَالَ : وَكَذَلِكَ إِذَا جَاءَتْ أَنْ مَعَ كَانَ، فَكُلُّهَا بِتَأْوِيلِ يَنْبَغِي ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ لَيْسَ هَذَا مِنْ أَخْلاَقِهِ، قَالَ : فَلِذَلِكَ إِذَا دَخَلَتْ أَنْ تَدُلُّ عَلَى الاِسْتِقْبَالِ، لِأَنَّ يَنْبَغِي تَطْلُبُ الاِسْتِقْبَالَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾ فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِي السَّبَبِ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أُنْزِلَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لِمَوْتَاهُمُ الْمُشْرِكِينَ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ قَوْلَهُ خَبَرًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ :﴿سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾.
وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ بَعْضِ مَنْ حَضَرَنَا ذِكْرُهُ، وَسَنَذْكُرُهُ عَمَّنْ لَمْ نَذْكُرْهُ.
١٧٤١٧- حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ : سَمِعْتُ رَجُلاً، يَسْتَغْفِرُ لِوَالِدَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ، فَقُلْتُ : أَيَسْتَغْفِرُ الرَّجُلُ لِوَالِدَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ ؟ فَقَالَ : أَوْ لَمْ يَسْتَغْفِرْ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ ؟ قَالَ : فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ :﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ﴾، إِلَى ﴿تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾.