الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : فَهَلاَّ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ وَهِيَ كَذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ.
وَمَعْنَى الْكَلاَمِ : فَمَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ عِنْدَ مُعَايَنَتِهَا الْعَذَابَ وَنُزُولَ سَخَطِ اللَّهِ بِهَا بِعِصْيَانِهَا رَبَّهَا وَاسْتِحْقَاقِهَا عِقَابَهُ، فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَمَا لَمْ يَنْفَعْ فِرْعَوْنَ إِيمَانُهُ حِينَ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ بَعْدَ تَمَادِيهِ فِي غَيِّهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ سَخَطَ اللَّهِ بِمَعْصِيَتِهِ. ﴿إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ﴾ فَإِنَّهُمْ نَفَعَهُمْ إِيمَانُهُمْ بَعْدَ نُزُولِ الْعُقُوبَةِ وَحُلُولِ السَّخَطِ بِهِمْ. فَاسْتَثْنَى اللَّهُ قَوْمَ يُونُسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الَّذِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمْ إِيمَانُهُمْ بَعْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِسَاحَتِهِمْ، وَأَخْرَجَهُمْ مِنْهُ، وَأَخْبَرَ خَلْقَهُ أَنَّهُ نَفَعَهُمْ إِيْمَانُهُمْ خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الأُمَمِ غَيْرِهِمْ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِنْ كَانَ الأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ :﴿فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا﴾ بِمَعْنَى فَمَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ بِمَعْنَى الْجُحُودِ، فَكَيْفَ نَصَبَ قَوْمَ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَا قَبْلَ الاِسْتِثْنَاءِ إِذَا كَانَ جَحْدًا كَانَ مَا بَعْدَهُ مَرْفُوعًا، وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ كَلاَمِ الْعَرَبِ : مَا قَامَ أَحَدٌ إِلاَّ أَخُوكَ، وَمَا خَرَجَ أَحَدٌ إِلاَّ أَبُوكَ ؟
قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ مَا بَعْدَ الاِسْتِثْنَاءِ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الأَخَ مِنْ جِنْسِ أَحَدٍ، وَكَذَلِكَ الأَبُ.


الصفحة التالية
Icon