وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ بَعْدَ مَا أَظَلَّهُمُ الْعَذَابُ، وَغَشِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَنَزَلَ بِهِمُ الْبَلاَءُ، كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْهَوَانِ وَالذُّلِ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا. ﴿وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ يَقُولُ : وَأَخَّرْنَا فِي آجَالِهِمْ وَلَمْ نُعَاجِلْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، وَتَرَكْنَاهُمْ فِي الدُّنْيَا يَسْتَمْتِعُونَ فِيهَا بِآجَالِهِمْ إِلَى حِينِ مَمَاتِهِمْ وَوَقْتِ فَنَاءِ أَعْمَارِهِمُ الَّتِي قَضَيْتُ فَنَاءَهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرهُ لِنَبِيِّهِ :﴿وَلَوْ شَاءَ﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿رَبَّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ بِكَ، فَصَدَّقوكَ أَنَّكَ لِي رَسُولٌ وَأَنَّ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ وَمَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَإِخْلاَصِ الْعُبُودَةِ لَهُ حَقٌّ، وَلَكِنْ لاَ يَشَاءُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَكَ رَسُولاً أَنَّهُ لاَ يُؤْمِنُ بِكَ وَلاَ يَتَّبِعُكَ فَيُصَدِّقُوكَ بِمَا بَعَثَكَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالنُّورِ إِلاَّ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ فِي الْكِتَابِ الأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا فِيهِنَّ، وَهَؤُلاَءِ الَّذِينَ عَجِبُوا مِنْ صِدْقِ إِيحَائِنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ لِتُنْذِرَ بِهِ مَنْ أَمَرْتُكَ بِإِنْذَارِهِ مِمَّنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ عِنْدِي أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِكَ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ.
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.


الصفحة التالية
Icon