وَأَوْلَى هَذِهِ الأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الآيَةِ بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ قَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ، مِنْ أَنَّ ذَلِكَ اسْتِثَنَاءٌ فِي أَهْلِ التَّوْحِيدِ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ أَنَّهُ يُدْخِلُهُمُ النَّارَ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِلاَّ مَا شَاءَ مِنْ تَرْكِهِمْ فِيهَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَوْعَدَ أَهْلَ الشِّرْكِ بِهِ الْخُلُودَ فِي النَّارِ، وَتَظَاهَرَتْ بِذَلِكَ الأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ اسْتِثَنَاءٌ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ، وَأَنَّ الأَخْبَارَ قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ يُدْخِلَ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ بِهِ بِذُنُوبٍ أَصَابُوهَا النَّارَ، ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا، فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اسْتِثَنَاءَ أَهْلِ التَّوْحِيدِ قَبْلَ دُخُولِهَا مَعَ صِحَّةِ الأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرْنَا، وَأَنَّا إِنْ جَعَلْنَاهُ اسْتِثَنَاءً فِي ذَلِكَ كُنَّا قَدْ دَخَلْنَا فِي قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَاسِقٌ، وَلاَ النَّارَ مُؤْمِنٌ، وَذَلِكَ خِلاَفُ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَا جَاءَتْ بِهِ الأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا فَسَدَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَلاَ قَوْلَ قَالَ بِهِ الْقُدْوَةُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلاَّ الثَّالِثَ. وَلِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ مُذْهِبٌ غَيْرُ ذَلِكَ سَنَذْكُرُهُ بَعْدُ، وَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.


الصفحة التالية
Icon