وَقَدْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ كَانَ فِي قِرَاءَتِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ : وَإِنْ كُلًّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ أَيْ لَيُوَفِّيَنَّ كُلًّا، فَيَكُونُ نِيَّتُهُ فِي نَصْبِ كُلٍّ كَانَتْ بِقَوْلِهِ : لَيُوَفِّيَنَّهُمْ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَرَادَ فَفِيهِ مِنَ الْقُبْحِ مَا ذَكَرْتُ مِنْ خِلاَفِهِ كَلاَمَ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا لاَ تَنْصِبُ بِفِعْلٍ بَعْدَ لاَمِ الْيَمِينِ اسْمًا قَبْلَهَا.
وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ : وَإِنَّ مُشَدَّدَةٌ كُلًّا لَمَا مُخَفَّفَةٌ ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ وَلِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ مِنَ الْمَعْنَى : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ قَارِئُهَا أَرَادَ : وَإِنَّ كُلًّا لَمَنْ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ، فَيُوَجِّهُ مَا الَّتِي فِي لَمَّا إِلَى مَعْنَى مَنْ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ لَهَا فِي غَيْرِ بَنِي آدَمَ، وَيَنْوِي بِالْلاَّمِ الَّتِي فِي لَمَّا الْلاَّمَ الَّتِي يُتَلَقَّى بِهَا وَإِنَّ جَوَابًا لَهَا، وَبِالْلاَّمِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ :﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ لاَمَ الْيَمِينِ دَخَلَتْ فِيمَا بَيْنَ مَا وَصِلَتِهَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾ وَكَمَا يُقَالُ هَذَا مَا لِغَيْرِهِ أَفْضَلُ مِنْهُ.
وَالْوَجْهُ الآخَرِ : أَنْ يَجْعَلَ مَا الَّتِي فِي لَمَّا بِمَعْنَى مَا الَّتِي تَدْخُلُ صِلَةً فِي الْكَلاَمِ، وَاللاَّمُ الَّتِي فِيهَا، الْلاَّمُ الَّتِي يُجَابُ بِهَا، وَاللاَّمُ الَّتِي فِي :﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ هِيَ أَيْضًا الْلاَّمُ الَّتِي يُجَابُ بِهَا إِنَّ كُرِّرَتْ وَأُعِيدَتْ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ مَوْضِعَهَا، وَكَانَتِ الأُولَى مِمَّا تُدْخِلُهَا الْعَرَبُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، ثُمَّ تُعِيدُهَا بَعْدُ فِي مَوْضِعِهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :

فَلَوْ أَنَّ قَوْمِي لَمْ يَكُونُوا أَعِزَّةً لَبَعْدُ لَقَدْ لاَقَيْتُ لاَ بُدَّ مَصْرَعَى
وَقَرَأَ ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ :﴿وَإِنَّ كُلًّا﴾ بِتَشْدِيدِ إِنَّ وَلَمًّا بِتَنْوِينِهَا، بِمَعْنَى : شَدِيدًا وَحَقًّا وَجَمِيعًا.


الصفحة التالية
Icon