وَأَصَحُّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ مُخَرَّجًا عَلَى كَلاَمِ الْعَرَبِ الْمُسْتَفِيضِ فِيهِمْ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ : وَإِنَّ بِتَشْدِيدِ نُونِهَا، كُلًّا لَمَّا بِتَخْفِيفِ مَا ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ﴾ بِمَعْنَى : وَإِنَّ كُلَّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ قَصَصْنَا عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ قَصَصَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، لَمَنْ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ بِالصَّالِحِ مِنْهَا، بِالْجَزِيلِ مِنَ الثَّوَابِ، وَبِالطَّالِحِ مِنْهَا بِالشَّدِيدِ مِنَ الْعِقَابِ، فَتَكُونُ مَا بِمَعْنَى مَنْ وَاللاَّمُ الَّتِي فِيهَا جَوَابًا لِأَنَّ، وَاللاَّمُ فِي قَوْلِهِ :﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ لاَمُ قَسَمٍ.
وَقَوْلُهُ :﴿إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : إِنَّ رَبَّكَ بِمَا يَعْمَلُ هَؤُلاَءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ، خَبِيرٌ، لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ عمَلِهِمْ بَلْ يَخْبُرُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَعْلَمُهُ وَيُحِيطُ بِهِ حَتَّى يُجَازِيَهُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ جَزَاءَهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاسْتَقِمْ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ عَلَى أَمْرِ رَبِّكَ وَالدِّينِ الَّذِي ابْتَعَثَكَ بِهِ وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ، كَمَا أَمَرَكَ رَبُّكَ. ﴿وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾ يَقُولُ : وَمَنْ رَجَعَ مَعَكَ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ مِنْ بَعْدِ كُفْرِهِ.