قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي تَوَهَّمْتَهُ مِنَ أَنَّهُ شَكٌّ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ فِيمَا أَخْبَرَ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ خَبَرٌ مِنْهُ عَنْ قُلُوبِهِمُ الْقَاسِيَةِ أَنَّهَا عِنْدَ عِبَادِهِ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ بَعْدَ مَا رَأَوُا الْعَظِيمَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ كَالْحِجَارَةِ قَسْوَةً أَوْ أَشَدُّ مِنَ الْحِجَارَةِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ مَنْ عَرَفَ شَأْنَهُمْ، وَقَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَقْوَالاً : فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ :﴿فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الأَخْبَارِ الَّتِي تَأْتِي بِ أَوْ، كَقَوْلِهِ :﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ وَكَقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ :﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾ فَهُوَ عَالِمٌ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. قَالُوا : وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ : أَكَلْتُ بُسْرَةً أَوْ رَطْبَةً، وَهُوَ عَالِمٌ أَيُّ ذَلِكَ أَكَلَ وَلَكِنَّهُ أَبْهَمَ عَلَى الْمُخَاطَبِ، كَمَا قَالَ أَبُو الأَسْوَدِ الدُّيلِيُّ :.
| أُحِبُّ مُحَمَّدًا حُبًّا شَدِيدًا | وَعَبَّاسًا وَحَمْزَةَ وَالْوَصِيَّا. |
| فَإِنْ يَكُ حُبُّهُمْ رُشْدًا أُصِبْهُ | وَلَسْتُ بِمُخْطِئٍ إِنْ كَانَ غَيَّا |
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : ذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ : مَا أَطْعَمْتُكَ إِلاَّ حُلْوًا أَوْ حَامِضًا، وَقَدْ أَطْعَمَهُ النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا. فَقَالُوا : فَقَائِلُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ شَاكًّا أَنَّهُ قَدْ أَطْعَمَ صَاحِبَهُ الْحُلْوَ وَالْحَامِضَ كِلَيْهِمَا، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ الْخَبَرَ عَمَّا أَطْعَمَهُ إِيَّاهُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ.