قَالُوا : وَأُخْرَى أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ :(اهْبِطُوا مِصْرَ) بِغَيْرِ أَلِفٍ، قَالُوا : فَفِي ذَلِكَ الدَّلاَلَةُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا مِصْرُ بِعَيْنِهَا.
وَالَّذِي نَقُولُ بِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لاَ دَلاَلَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى الصَّوَابِ مِنْ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ، وَلاَ خَبَرَ بِهِ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْطَعُ مَجِيئُهُ الْعُذْرَ، وَأَهْلُ التَّأْوِيلِ مُتَنَازِعُونَ تَأْوِيلَهُ.
فَأَوْلَى الأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ مُوسَى سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُعْطِيَ قَوْمَهُ مَا سَأَلُوهُ مِنْ نَبَاتِ الأَرْضِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ فِي كِتَابِهِ وَهُمْ فِي الأَرْضِ تَائِهُونَ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِمُوسَى دُعَاءَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَهْبِطَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ قَرَارًا مِنَ الأَرْضِ الَّتِي تُنْبِتُ لَهُمْ مَا سَأَلَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، إِذْ كَانَ ما سَأَلُوهُ لاَ تُنْبِتُهُ إِلاَّ الْقُرَى وَالأَمْصَارُ فإنَّهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ إِذْا صَارُوا إِلَيْهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَرَارُ مِصْرَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الشَّامَ.
فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَإِنَّهَا بِالأَلْفِ وَالتَّنْوِينِ :﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي لاَ يَجُوزُ عِنْدِي غَيْرُهَا لاِجْتِمَاعِ خُطُوطِ مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ، وَاتِّفَاقِ قِرَاءَةِ الْقُرَّاءِ عَلَى ذَلِكَ. وَلَمْ يَقْرَأْ بِتَرْكِ التَّنْوِينِ فِيهِ وَإِسْقَاطِ الأَلِفِ مِنْهُ إِلاَّ مَنْ لاَ يَجُوزُ الاِعْتِرَاضُ بِهِ عَلَى الْحُجَّةِ فِيمَا جَاءَتْ بِهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ مُسْتَفِيضًا فيها.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾.