يَعْنِي بِقَوْلِهِ :﴿وَضُرِبَتْ﴾ أَيْ فُرِضَتْ. وَوُضِعَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَأَلْزَمُوهَا ؛ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ : ضَرَبَ الإِمَامُ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَضَرَبَ الرَّجُلُ عَلَى عَبْدِهِ الْخَرَاجَ ؛ يَعْنِي بِذَلِكَ أنه فرضه وَوظفه وأَلْزَمَهُ إِيَّاهُ، وَهو مِنْ قَوْلِهِمْ : ضَرَبَ الأَمِيرُ عَلَى الْجَيْشِ الْبَعْثَ، يُرَادُ بِهِ أَلْزَمَهُمُوهُ.
وَأَمَّا الذِّلَّةُ، فَهِيَ الْفِعْلَةُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ : ذَلَّ فُلاَنٌ يَذِلُّ ذُلًّا وَذِلَّةً. كَالصِّفوةِ مِنْ صِفا الأَمْرِ، وَالْقِعْدَةِ مِنْ قَعَدَ.
وَالذِّلَّةُ : هِيَ الصَّغَارُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لاَ يُعْطُوهُمْ أَمَانًا عَلَى الْقَرَارِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ بِهِ وَبِرَسُلِهِ إِلاَّ أَنْ يَبْذُلُوا الْجِزْيَةَ عَلَيْهِ لَهُمْ، فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾.
١٠٩١- كَمَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ : فِي قَوْلِهِ :﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ قَالاَ : يُعْطُونَ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.
وَأَمَّا الْمَسْكَنَةُ، فَإِنَّهَا مَصْدَرُ الْمِسْكِينِ، يُقَالُ : مَا فِيهِمْ أَسْكَنُ مِنْ فُلاَنٍ وَمَا كَانَ مِسْكِينًا وَلَقَدْ تَمَسْكَنَ مَسْكَنَا وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ تَسْكَنَ تََسْكُنًا. وَالْمَسْكَنَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَسْكَنَةُ الْفَاقَةِ وَالْحَاجَةِ، وَهِيَ خُشُوعُهَا وَذُلُّهَا.