وَكَنَّى بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ : ذَلِكَ، عَنْ جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ فِي الآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، أَعْنِي قَوْلَهُ :﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾.
يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ :﴿فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ فَلَوْلاَ أَنَّ اللَّهَ تَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ بِالتَّوْبَةِ بَعْدَ نَكْثِكُمُ الْمِيثَاقَ الَّذِي وَاثَقْتُمُوهُ، إِذْ رَفَعَ فَوْقَكُمُ الطُّورَ، بِأَنَّكُمْ تَجْتَهِدُونَ فِي طَاعَتِهِ، وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَالْقِيَامِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ، وَالاِنْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي آتَاكُمْ، فَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِالإِسْلاَمِ وَرَحْمَتِهِ الَّتِي رَحِمَكُمْ بِهَا، وَتَجَاوَزَ عَنْكُمْ خَطِيئَتَكُمُ الَّتِي رَكِبْتُمُوهَا بِمُرَاجَعَتِكُمْ طَاعَةَ رَبِّكُمْ ؛ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِمَنْ كَانَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيَّامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ أَسْلاَفِهِمْ، فَأَخْرَجَ الْخَبَرَ مَخْرَجَ الْمُخْبَرِ عَنْهُمْ عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ أَنَّ الْقَبِيلَةَ مِنَ الْعَرَبِ تُخَاطِبُ الْقَبِيلَةَ عِنْدَ الْفَخَارِ أَوْ غَيْرِهِ بِمَا مَضَى مِنْ فِعْلِ أَسْلاَفِ الْمُخَاطِبِ بِأَسْلاَفِ الْمُخَاطَبِ، فَتُضِيفُ فِعْلَ أَسْلاَفِ الْمُخَاطِبِ إِلَى أنَفْسِهَا، فَتَقُولُ : فَعَلْنَا وفَعَلْنَا بِكُمْ، وما فَعَل بِأَسْلاَفِ الْمُخَاطَبِ إلى الْمُخَاطَبِ لهم بقولهم فَعَلْنَا بِكُمْ وفَعَلْنَا بِكُمْ. وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ الشَّوَاهِدِ فِي ذَلِكَ مِنْ شِعْرِهِمْ فِيمَا مَضَى.