وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْخِطَابَ فِي هَذِهِ الآيَاتِ إِنَّمَا أُخْرِجَ بِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ بِهِ وَالْفِعْلُ لِغَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ مَنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَوَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَصَيَّرَهُمُ اللَّهُ مِنْهُمْ مِنْ أَجْلِ وِلاَيَتِهِمْ لَهُمْ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ سَامِعِيهِ كَانُوا عَالِمِينَ، وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ خَرَجَ خِطَابًا لِلأَحْيَاءِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ ؛ أن الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَمَّا قَد مضى مِنْ أَنْبَاءِ أَسْلاَفِهِمْ، فَاسْتَغْنَى بِعِلْمِ السَّامِعِينَ بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ أَسْلاَفِهِمْ بِأَعْيَانِهِمْ. وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ :.

إِذَا مَا انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدْنِي لَئِيمَةٌ وَلَمْ تَجِدِي مِنْ أَنْ تُقِرِّي بِهِ بُدَّا
فَقَالَ : إِذَا مَا انْتَسَبْنَا، وَإِذَا تَقْتَضِي مِنَ الْفِعْلِ مُسْتَقْبِلاً. ثُمَّ قَالَ : لَمْ تَلِدْنِي لَئِيمَةٌ، فَأَخْبَرَ عَنْ مَاضٍ مِنَ الْفِعْلِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْوِلاَدَةَ قَدْ مَضَتْ وَتَقَدَّمَتْ. وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُحْتَجِّ بِهِ لِأَنَّ السَّامِعَ قَدْ فَهِمَ مَعْنَاهُ.
فَجَعَلَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ خِطَابِ اللَّهِ أَهْلَ الْكِتَابِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِضَافَةِ أَفْعَالِ أَسْلاَفِهِمْ إِلَيْهِمْ نَظِيرَ ذَلِكَ.
وَالأَوَّلُ الَّذِي قُلْنَا هُوَ الْمُسْتَفِيضُ فى كَلاَمِ الْعَرَبِ وَخِطَابِهَا.


الصفحة التالية
Icon