﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ يَعْنِي : أَطْعِمُوا مِنْ حَلاَلِ الرِّزْقِ الَّذِي أَحْلَلْنَاهُ لَكُمْ، فَطَابَ لَكُمْ بِتَحْلِيلِي إِيَّاهُ لَكُمْ مِمَّا كُنْتُمْ تُحَرِّمُونَ أَنْتُمْ وَلَمْ أَكُنْ حَرَّمْتُهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ. ﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ﴾ يَقُولُ : وَأَثْنُوا عَلَى اللَّهِ جل ثناؤه بِمَا هُوَ أَهْل مِنْكُمْ عَلَى النَّعَمِ الَّتِي رَزَقَكَ وَطَيَّبَهَا لَكُمْ ﴿إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ يَقُولُ : إِنْ كُنْتُمْ مُنْقَادِينَ لِأَمْرِهِ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، فَكُلُوا مِمَّا أَبَاحَ لَكُمْ أَكْلَهُ وَحَلَّلَهُ وَطَيَّبَهُ لَكُمْ، وَدَعُوا فِي تَحْرِيمِهِ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ مَا كَانُوا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ يُحَرِّمُونَهُ مِنَ الْمَطَاعِمِ، وَهُوَ الَّذِي نَدَبَهُمْ إِلَى أَكْلِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ اعْتِقَادِ تَحْرِيمِهِ، إِذْ كَانَ تَحْرِيمُهُمْ إِيَّاهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ طَاعَةً مِنْهُمْ لِلشَّيْطَانِ وَاتِّبَاعًا لِأَهْلِ الْكُفْرِ مِنْهُمْ بِاللَّهِ مِنَ الآبَاءِ، وَالأَسْلاَفِ. ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ، وَفَصَّلَهُ لَهُمْ مُفَسَّرًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ : لاَ تُحَرِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَا لَمْ أُحَرِّمْهُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مِنَ الْبَحَائِرِ، وَالسَّوَائِبِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، بَلْ كُلُوا ذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أُحَرِّمْ عَلَيْكُمْ غَيْرَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِي.