وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قِيلَ الأَرْضِ وَلَمْ تُجْمَعْ كَمَا جُمِعَتِ السَّمَوَاتُ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ.
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : وَهَلْ لِلسَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ خَلْقٌ هُوَ غَيْرُهَا فَيُقَالُ : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ؟
قِيلَ : قَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ : لَهَا خَلْقٌ هُوَ غَيْرُهَا، وَاعْتَلُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذِهِ الآيَةِ، وَبِالَّتِي فِي سُورَةِ الْكَهْفِ :﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ﴾ وَقَالُوا : لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ شَيْئًا إِلاَّ وَاللَّهُ لَهُ مُرِيدٌ. قَالُوا : فَالأَشْيَاءُ كَانَتْ بِإِرَادَةِ اللَّهِ، وَالإِرَادَةُ خَلْقٌ لَهَا.
وَقَالَ آخَرُونَ : خَلْقُ الشَّيْءِ صِفَةٌ لَهُ، لاَ هِيَ هُوَ وَلاَ هِيَ غَيْرُهُ. قَالُوا : لَوْ كَانَ غَيْرَهُ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ مَوْصُوفًا. قَالُوا : وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ خَلَقَهُ غَيْرًهُ وَأَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ لَهُ صِفَةٌ هِيَ لَهُ خَلْقٌ، وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ نِهَايَةٌ. قَالُوا : فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ صِفَةٌ لِلشَّيْءِ. قَالُوا : فَخَلْقُ السَّمَوَاتِ، وَالأَرْضِ صِفَةٌ لَهُمَا عَلَى مَا وَصَفْنَا وَاعْتَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ لِلشَّيْءِ خَلْقًا لَيْسَ هُوَ بِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِنَحْوِ الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ الأَوَّلُونَ.
وَقَالَ آخَرُونَ : خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَخَلْقُ كُلِّ مَخْلُوقٍ، هُوَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِعَيْنِهِ لاَ غَيْرِهِ. فَمَعْنَى قَوْلِهِ :﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَاخْتِلاَفُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾.