وَالْفَرْضُ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي الْقِصَاصِ هُوَ مَا وَصَفْتُ مِنْ تَرْكِ الْمُجَاوَزَةِ بِالْقِصَاصِ قَتْلَ الْقَاتِلِ بِقَتِيلِهِ إِلَى غَيْرِهِ لاَ أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْنَا الْقِصَاصُ فَرْضًا وُجُوبَ فَرْضِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ حَتَّى لاَ يَكُونَ لَنَا تَرْكُهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا لاَ يَجُوزُ لَنَا تَرْكُهُ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ :﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾ مَعْنًى مَفْهُومٌ، لِأَنَّهُ لاَ عَفْوَ بَعْدَ الْقِصَاصِ فَيُقَالُ : فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى الْقِصَاصِ فِي هَذِهِ الآيَةِ مُقَاصَّةُ دِيَاتِ بَعْضِ الْقَتْلَى بِدِيَاتِ بَعْضٍ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الآيَةَ عِنْدَهُمْ نَزَلَتْ فِي حِزْبَيْنِ تَحَارَبُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَأُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، بِأَنْ يسْقُطَ دِيَاتُ نِسَاءِ أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ بِدِيَاتِ نِسَاءِ الآخَرِينَ، وَدِيَاتِ رِجَالِهِمْ بِدِيَاتِ رِجَالِهِمْ، وَدِيَاتِ عَبِيدِهِمْ بِدِيَاتِ عَبِيدِهِمْ قِصَاصًا، فَذَلِكَ عِنْدَهُمْ مَعْنَى الْقِصَاصِ فِي هَذِهِ الآيَةِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ :﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى﴾ فَمَا لَنَا أَنْ نَقْتَصَّ لِلْحُرِّ إِلاَّ مِنَ الْحُرِّ، وَلاَ لِلأُنْثَى إِلاَّ مِنَ الأُنْثَى ؟
قِيلَ : بَلْى لَنَا أَنْ نَقْتَصَّ لِلْحُرِّ مِنَ الْعَبْدِ وَلِلأُنْثَى مِنَ الذَّكَرِ، بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ :﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا﴾ وَبِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : الْمُؤمُنونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ.