وَتَرَكَ ذِكْرَ لاَ مِنَ الْكَلاَمِ لِدَلاَلَةِ الْكَلاَمِ عَلَيْهَا وَاكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرُ عَمَّا تَرَكَ، كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ :

فَقُلْتُ يَمِينُ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي
بِمَعْنَى : فَقُلْتُ : يَمِينُ اللَّهِ لاَ أَبْرَحُ. فَحَذَفَ لاَ اكْتِفَاءً بِدَلاَلَةِ الْكَلاَمِ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿أَنْ تَبَرُّوا﴾ فَإِنَّهُ اخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ الْبِرِّ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ فِعْلُ الْخَيْرِ كُلِّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الْبِرُّ بِذِي رَحِمِهِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ قَائِلِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى.
وَأَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : عَنَى بِهِ فِعْلَ الْخَيْرِ كُلَّهُ، وَذَلِكَ أَنَّ أَفْعَالَ الْخَيْرِ كُلَّهَا مِنَ الْبِرِّ. وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ ﴿أَنْ تَبَرُّوا﴾ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْبِرِّ، فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ، وَالْبِرُّ بِذَوِي الْقَرَابَةِ أَحَدُ مَعَانِي الْبِرِّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿وَتَتَّقُوا﴾ فَإِنَّ مَعْنَاهُ : أَنْ تَتَّقُوا رَبَّكُمْ فَتَحْذَرُوهُ وَتَحْذَرُوا عِقَابَهُ فِي فَرَائِضِهِ، وَحُدُودِهِ أَنْ تُضَيِّعُوهَا أَوْ تَتَعَدُّوهَا.
وَقَدْ ذَكَرْنَا تَأْوِيلَ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَعْنَى التَّقْوَى قَبْلُ.
وَقَالَ آخَرُونَ فِي تَأْوِيلِهِ بِمَا ؛
٤٤٠٠- حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ :﴿أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا﴾ قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ مِنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى لاَ يَفْعَلُهُ، فَنَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ :﴿وَلاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ﴾ الآيَةَ، قَالَ : وَيُقَالُ : لاَ يَتَّقِ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِي، تَحْلِفُونَ بِي وَأَنْتُمْ كَاذِبُونَ لِيُصَدِّقَكُمُ النَّاسُ وَتُصْلِحُونَ بَيْنَهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلِهِ :﴿أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا..﴾ الآيَةَ.


الصفحة التالية
Icon