فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ بِإِتْيَانِ الْحَالِفِ مَا حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْتِيَهُ مَعَ وُجُوبِ إِتْيَانِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَأْتِيَهُ، وَكَانَتِ الْغَرَامَةُ فِي الْمَالِ، أَوْ إِلْزَامُ الْجَزَاءِ مِنَ الْمَجْزِيِّ أَبْدَان الْجَازِينَ، لاَ شَكَّ عُقُوبَةٌ كَبَعْضِ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَكَالاً لِخَلْقِهِ فِيمَا تَعَدَّوْا مِنْ حُدُودِهِ، وَإِنْ كَانَ يَجْمَعُ جَمِيعَهَا أَنَّهَا تَمْحِيصٌ، وَكَفَّارَاتٌ لِمَنْ عُوقِبَ بِهَا فِيمَا عُوقِبُوا عَلَيْهِ كَانَ بَيِّنًا أَنَّ مَنْ أُلْزِمَ الْكَفَّارَةَ فِي عَاجِلِ دُنْيَاهُ فِيمَا حَلَفَ بِهِ مِنَ الأَيْمَانِ فَحَنِثَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ كَفَّارَةً لِذَنْبِهِ فَقَدْ وَأَخَذَهُ اللَّهُ بِهَا بِإِلْزَامِهِ إِيَّاهُ الْكَفَّارَةَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ مَا عَجَّلَ مِنْ عُقُوبَتِهِ إِيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ مُسْقِطًا عَنْهُ عُقُوبَتَهُ فِي أَجَلِهِ. وَإِذْ كَانَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ وَاخَذَهُ بِهَا، فَغَيْرُ جَائِزٍ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : وَقَدْ وَاخَذَهُ بِهَا هِيَ مِنَ اللَّغْوِ الَّذِي لاَ يُؤَاخَذُ بِهِ قَائِلُهُ.
فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ، فَبَيَّنَ فَسَادَ الْقَوْلِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ : اللَّغْوُ : الْحَلِفُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْحَالِفِ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَفَّارَةٌ بِحِنْثِهِ فِي يَمِينِهِ وَفِي إِيجَابِ سَعِيدٍ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهَا بِهَا مُؤَاخَذٌ لِمَا وَصَفْنَا : مِنْ أَنَّ مَنْ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ فِي يَمِينِهِ ؛ فَلَيْسَ مِمَّنْ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهَا.
فَإِذَا كَانَ اللَّغْوُ هُوَ مَا وَصَفْنَا مِمَّا أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَاخِذِنَا بِهِ، وَكُلُّ يَمِينٍ لَزِمَتْ صَاحِبَهَا بِحِنْثِهِ فِيهَا الْكَفَّارَةُ فِي الْعَاجِلِ، وأَوْعَدَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ صَاحِبَهَا الْعُقُوبَةَ عَلَيْهَا فِي الآجِلِ، وَإِنْ كَانَ وَضَعَ عَنْهُ كَفَّارَتَهَا فِي الْعَاجِلِ، فَهِيَ مِمَّا كَسَبَتْهُ قُلُوبُ الْحَالِفِينَ، وَتَعَمَّدَتْ فِيهِ الإِثْمَ نُفُوسُ الْمُقْسِمِينَ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ اللَّغْوُ وَقَدْ بَيَّنَّا وُجُوهَهُ.


الصفحة التالية
Icon