عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ : لاَ تُؤَاخَذُ حَتَّى تَصِعدَ الأَمْرَ ثُمَّ تَحْلِفُ عَلَيْهِ بِاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَتَعْقِدَ عَلَيْهِ يَمِينَكَ.
وَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ :﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ فِي الآخِرَةِ بِمَا شَاءَ مِنَ الْعُقُوبَاتِ، وَأَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ إِنَّمَا تَلْزَمُ الْحَالِفَ فِي الأَيْمَانِ الَّتِي هِيَ لَغْوٌ. وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الْكَفَّارَةَ إِلاَّ فِي الأَيْمَانِ الَّتِي تَكُونُ لَغْوًا. فَأَمَّا مَا كَسَبَتْهُ الْقُلُوبُ، وَعَقَدَتْ فِيهِ عَلَى الإِثْمِ، فَلَمْ يَكُنْ يُوجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ بِذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ.
وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيلَ الآيَةِ عِنْدَهُمْ، فَالْوَاجِبُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الآيَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ :﴿لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ، أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ، وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ.
وَبِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ، وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ غَيْرُهُمْ يَقُولُونَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ بِذَلِكَ آنِفًا.
وَقَالَ آخَرُونَ : الْمَعْنَى الَّذِي أَوْعَدَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤَاخَذَةَ بِهِ بِهَذِهِ الآيَةِ هُوَ حَلِفُ الْحَالِفِ عَلَى بَاطِلٍ يَعْلَمُهُ بَاطِلاً، وَبِذَلِكَ أَوْجَبَ اللَّهُ عِنْدَهُمُ الْكَفَّارَةَ دُونَ اللَّغْوِ الَّذِي يَحْلِفُ بِهِ الْحَالِفُ وَهُوَ مُخْطِئٌ فِي حَلِفِهِ يَحْسِبُ أَنَّ الَّذِيَ حَلَفَ عَلَيْهِ كَمَا حَلَفَ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ.