فَكُلُّ مُقْسِمٍ عَلَى امْرَأَتِهِ أَنْ لاَ يَغْشَاهَا مُدَّةً هِيَ أَكْثَرُ مِنَ الأَجَلِ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لَهُ تَرَبُّصَهُ، فَمُؤْلٍ مِنَ امْرَأَتِهِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ. وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ : هُوَ مُؤْلٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُدَّةُ يَمِينِهِ الأَجَلَ الَّذِي جُعِلَ لَهُ تَرَبُّصُهُ.
وَأَمَّا عِلَّةُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ، وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ جَعَلَ الأَجَلَ الَّذِي حَدَّهُ لِلْمَوْلِي مَخْرَجًا لِلْمَرْأَةِ مِنْ سُوءِ عِشْرَهَ بَعْلُهَا إِيَّاهَا وِإِضْرَارِهِ لهَا. وَلَيْسَتِ الْيَمِينُ عَلَيْهَا بِأَنْ لاَ يُجَامِعَهَا وَلاَ يَقْرَبَهَا بِأَوْلَى بِأَنْ تَكُونَ مِنْ مَعَانِي سُوءِ الْعِشْرَةِ، وَالضِّرَارِ مِنَ الْحَلِفِ عَلَيْهَا أَنْ لاَ يُكَلِّمَهَا، أَوْ يَسُوءَهَا، أَوْ يَغِيظَهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهَا، وَسُوءُ عَشْرَةٍ لَهَا.
وَأَوْلَى التَّأْوِيلاَتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : كُلُّ يَمِينٍ مَنَعَتِ الْمُقْسِمَ الْجِمَاعَ أَكْثَرَ مِنَ الْمُدَّةِ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ الْمُولِي تَرَبُّصَهَا قَائِلاً فِي غَضَبٍ كَانَ ذَلِكَ أَوْ رِضًا، وَذَلِكَ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَبْلُ لِقَائِلِي ذَلِكَ. وَقَدْ آتَيْنَا عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا كِتَابُ اللَّطِيفِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايةُ، فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ : فَإِنْ رَجَعُوا إِلَى تَرْكِ مَا حَلَفُوا عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلُوهَ بِهِنَّ مِنْ تَرْكِ جِمَاعِهِنَّ فَجَامَعُوهُنَّ وَحَنِثُوا فِي أَيْمَانِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لِمَا كَانَ مِنْهُمْ مِنَ الْكَذِبِ فِي أَيْمَانِهِمْ بِأَنْ لاَ يَأْتُوهُنَّ ثُمَّ أَتَوْهُنَّ، وَلِمَا سَلَفَ مِنْهُمْ إِلَيْهِنَّ مِنَ الْيَمِينِ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَيْهِ، فَحَلَفُوا عَلَيْهِ ؛ رَحِيمٌ بِهِمْ وَبِغَيْرِهِمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ.