الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾
اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ :(وَتُكَفِّرُ عَنْكُمْ) بِالتَّاءِ، وَمَنْ قَرَأَهُ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَتُكَفِّرُ الصَّدَقَاتُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ،
وَقَرَأَ آخَرُونَ :﴿وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ﴾ بِالْيَاءِ بِمَعْنَى : وَيُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْكُمْ بِصَدَقَاتِكُمْ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الآيَةِ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ،
وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْدُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ :(وَنُكَفِّرْ عَنْكُمْ) بِالنُّونِ وَجَزْمِ الْحَرْفِ، يَعْنِي : وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ، بِمَعْنَى مُجَازَاةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُخْفِي الصَّدَقَةِ بِتَكْفِيرِ بَعْضِ سَيِّئَاتِهِ بِصَدَقَتِهِ الَّتِي أَخْفَاهَا.
وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ :(وَنُكَفِّرْ عَنْكُمْ) بِالنُّونِ وَجَزْمِ الْحَرْفِ، عَلَى مَعْنَى الْخَبَرِ مِنَ اللَّهِ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يُجَازَى الْمُخْفِي صَدَقَتَهُ مِنَ التَّطَوُّعِ ابْتِغَاءَ وَجْهِهِ مِنْ صَدَقَتِهِ بِتَكْفِيرِ سَيِّئَاتِهِ، وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُجْزُومٌ عَلَى النسق على مَوْضِعِ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ :﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ لِأَنَّ الْفَاءَ هُنَالِكَ حَلَّتْ مَحَلَّ جَوَابِ الْجَزَاءِ.
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : وَكَيْفَ اخْتَرْتَ الْجَزْمَ عَلَى النَّسَقِ عَلَى مَوْضِعِ الْفَاءِ، وَتَرَكْتَ اخْتِيَارَ نَسَقِهِ عَلَى مَا بَعْدَ الْفَاءِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الأَفْصَحَ مِنَ الْكَلاَمِ فِي النَّسَقِ عَلَى جَوَابِ الْجَزَاءِ الرَّفْعُ، وَإِنَّمَا الْجَزْمُ تَجْوِيزٌ ؟@