وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كُفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُصِرٍّ عَلَى كُفْرٍ بِرَبِّهِ، مُقِيمٍ عَلَيْهِ، مُسْتَحِلٍّ أَكَلَ الرِّبَا وَإِطْعَامَهُ، أَثِيمٍ مُتَمَادٍ فِي الاْثم فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ مِنْ أَكْلِ الرِّبَا وَالْحَرَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَاصِيهِ، لاَ يَنْزَجِرُ عَنْ ذَلِكَ، وَلاَ يَرْعَوِي عَنْهُ، وَلاَ يَتَّعِظُ بِمَوْعِظَةِ رَبِّهِ الَّتِي وَعَظَهُ بِهَا فِي تَنْزِيلِهِ وَآيِ كِتَابِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا، يَعْنِي الَّذِينَ صَدَّقُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهْ مِنْ تَحْرِيمِ الرِّبَا وَأَكْلِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ شَرَائِعِ دِينِهِ، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ الَّتِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا، وَالَّتِي نَدَبَهُمْ إِلَيْهَا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ الْمَفْرُوضَةَ بِحُدُودِهَا، وَأَدَّوْهَا بِسُنَنِهَا، وَآتَوُا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، بَعْدَ الَّذِي سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ أَكَلِ الرِّبَا، قَبْلَ مَجِيءِ الْمَوْعِظَةِ فِيهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، لَهُمْ أَجْرُهُمْ، يَعْنِي ثَوَابَ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ وَصَدَقَتِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَوْمَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ فِي مَعَادِهِمْ، وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يَوْمَئِذٍ مِنْ عِقَابِهِ عَلَى مَا كَانَ سَلَفَ مِنْهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ قَبْلَ مَجِيئِهِمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ مِنْ أَكْلِ مَا كَانُوا أَكَلُوا مِنَ الرِّبَا بِمَا كَانَ مِنْ إِنَابَتِهِمْ، وَتَوْبَتِهِمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَجِيئِهِمُ الْمَوْعِظَةُ مِنْ رَبِّهِمْ، وَتَصْدِيقِهِمْ بِوَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى تَرْكِوْ مَا كَانُوا تَرَكُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَكْلِ الرِّبَا وَالْعَمَلِ بِهِ إِذَا عَايَنُوا جَزِيلَ ثَوَابِ اللَّهِ لهم تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهُمْ عَلَى تَرْكِهِمْ مَا تَرَكُوا مِنْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِهِ فِي الآخِرَةِ، فَوَصَلُوا إِلَى مَا وُعِدُوا عَلَى تَرْكِهِ.


الصفحة التالية
Icon