وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ :﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ غُرَمَاءُ الَّذِينَ كَانُوا أَسْلَمُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَهُمْ عَلَيْهِمْ دُيُونٌ قَدْ أَرْبَوْا فِيهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَدْرَكَهُمُ الإِسْلاَمُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضُوهَا مِنْهُمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ بِوَضْعِ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا بَعْدَ مَا أَسْلَمُوا، وَِقَتْضِاء رُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ، مِمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ غُرَمَائِهِمْ مُوسِرًا، وَإِنْظَارِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُعْسِرًا بِرُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ إِلَى مَيْسَرَتِهِمْ، فَذَلِكَ حُكْمُ كُلِّ مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ رِبًا قَدْ أَرْبَى عَلَى غَرِيمٍ لَهُ، فَإِنَّ الإِسْلاَمَ يُبْطِلُ عَنْ غَرِيمِهِ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الرِّبَا، وَيُلْزِمُهُ أَدَاءَ رَأْسِ مَالِهِ الَّذِي كَانَ أَخَذَ مِنْهُ، أَوْ لَزِمَهُ مِنْ قَبْلِ الإِرْبَاءِ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا كَانَ مُنْظَرًا بِرَأْسِ مَالِ صَاحِبِهِ إِلَى مَيْسَرَتِهِ، وَكَانَ الْفَضْلُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ مُبْطَلاً عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّ الآيَةَ وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِيمَنْ ذَكَرْنَا وَإِيَّاهُمْ عَنَى بِهَا، فَإِنَّ الْحُكْمَ الَّذِي حَكَمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ إِنْظَارِهِ الْمُعْسِرَ بِرَأْسِ مَالِ الْمُرْبِي بَعْدَ بِطُولِ الرِّبَا عَنْهُ حُكْمٌ وَاجِبٌ لِكُلِّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ قَدْ حَلَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِقَضَائِهِ مُعْسِرٌ فِي أَنَّهُ مَنْظَرٌ إِلَى مَيْسَرَتِهِ، لِأَنَّ دَيْنَ كُلِّ ذِي دَيْنٍ فِي مَالِ غَرِيمِهِ وَعَلَى غَرِيمِهِ قَضَاؤُهُ مِنْهُ لاَ فِي رَقَبَتِهِ، فَإِذَا عَدِمَ مَالَهُ، فَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ بَحَبْسٍ وَلاَ بَيْعٍ، وَذَلِكَ أَنَّ مَالَ رَبِّ الدَّيْنِ لَنْ يَخْلُوَ مِنْ أَحَدِ وُجُوهٍ ثَلاَثَةٍ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي رَقَبَةِ غَرِيمِهِ، أَوْ فِي ذِمَّتِهِ يَقْضِيهِ مِنْ مَالِهِ، أَوْ فِي مَالٍ لَهُ بِعَيْنِهِ ؛ فَإِنْ يَكُنْ فِي مَالٍ لَهُ بِعَيْنِهِ، فَمَتَى بَطَلَ ذَلِكَ الْمَالُ وَعُدِمَ، فَقَدْ بَطَلَ دَيْنُ رَبِّ الْمَالِ، وَذَلِكَ مَا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ وَيَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ، فَإِنْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَمَتَى عُدِمَتْ نَفْسُهُ، فَقَدْ بَطَلَ دَيْنُ رَبِّ الدَّيْنِ، وَإِنْ خَلَفَ الْغَرِيمُ وَفَاءً بِحَقِّهِ وَأَضْعَافَ ذَلِكَ @


الصفحة التالية
Icon