وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ مَعْنَى الْكَلاَمِ الَّذِي قَبْلَهُ، لِأَنَّ فِي كُلِّ مَا قَبْلَ الْمَصَادِرِ الَّتِي هِيَ مُخَالِفَةٌ أَلْفَاظُهَا أَلْفَاظَ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْكَلاَمِ مَعَانِي أَلْفَاظِ الْمَصَادِرِ وَإِنْ خَالَفَهَا فِي اللَّفْظِ فَنَصْبُهَا مِنْ مَعَانِي مَا قَبْلَهَا دُونَ أَلْفَاظِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾
يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ : مَنْ يُرِدْ مِنْكُمْ أَيُّهَا الناس بِعَمَلِهِ جَزَاءً مِنْهُ بَعْضَ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا دُونَ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَرَامَةِ، لِمَنِ ابْتَغَى بِعَمَلِهِ مَا عِنْدَهُ ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ يَقُولُ : نُعْطِهِ مِنْهَا، يَعْنِي : مِنَ الدُّنْيَا، يَعْنِي : أَنَّهُ يُعْطِيهِ مِنْهَا مَا قُسِمَ لَهُ فِيهَا مِنْ رِزْقٍ الله أَيَّامَ حَيَاتِهِ، ثُمَّ لاَ نَصِيبُ لَهُ فِي كَرَامَةِ اللَّهِ الَّتِي أَعَدَّهَا لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَطَلَبَ مَا عِنْدَهُ فِي الآخِرَةِ ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ﴾ يَقُولُ : وَمَنْ يُرِدْ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ جَزَاءً مِنْهُ ثَوَابَ الآخِرَةِ، يَعْنِي مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ كَرَامَتِهِ الَّتِي أَعَدَّهَا لِلْعَامِلِينَ لَهُ فِي الآخِرَةِ، ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ يَقُولُ : نُعْطِهِ مِنْهَا، يَعْنِي مِنَ الآخِرَةِ ؛ وَالْمَعْنَى : مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ الَّتِي خَصَّ بِهَا أَهْلَ طَاعَتِهِ فِي الآخِرَةِ. فَخَرَجَ الْكَلاَمُ عَلَى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالْمَعْنَى مَا فِيهِمَا.
٧٩٩٤- كَمَا : حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ :﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ أَيْ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الدُّنْيَا لَيْسَتْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الآخِرَةِ، نُؤْتِهِ مَا قُسِمَ لَهُ مِنْهَا مِنْ رِزْقٍ، وَلاَ حَظَّ لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا مَا وَعْدَهُ مَعَ مَا يُجْرَى عَلَيْهِ مِنْ رِزْقِهِ فِي دُنْيَاهُ.


الصفحة التالية
Icon