فَأَمَّا مَنْ قَرَأَ ﴿قَاتَلَ﴾ فَإِنَّهُ اخْتَارَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ : لَوْ قُتِلُوا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ :﴿فَمَا وَهَنُوا﴾ وَجْهٌ مَعْرُوفٌ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُوصَفُوا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَهِنُوا وَلَمْ يَضْعُفُوا بَعْدَ مَا قُتِلُوا.
وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ :(قُتِلَ) فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّمَا عَنَى بِالْقَتْلِ النَّبِيَّ وَبَعْضَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الرِّبِّيِّينَ دُونَ جَمِيعِهِمْ، وَإِنَّمَا نَفَى الْوَهْنَ وَالضَّعْفَ عَمَّنْ بَقِيَ مِنَ الرِّبِّيِّينَ مِمَّنْ لَمْ يُقْتَلْ.
وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِضَمِّ الْقَافِ :(قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا عَاتَبَ بِهَذِهِ الآيَةِ، وَالآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ :﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ﴾ الَّذِينَ انْهَزَمُوا يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكُوا الْقِتَالَ، أَوْ سَمِعُوا الصَّائِحَ يَصِيحُ : إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَعَذَّلَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى فِرَارِهِمْ وَتَرْكِهِمُ الْقِتَالَ، فَقَالَ : أَفَإِنْ مَاتَ مُحَمَّدٌ أَوْ قُتِلَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ارْتَدَدْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ، وَانْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ؟ ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ عَمَّا كَانَ مِنْ فِعْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَتْبَاعِ الأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ : هَلاَّ فَعَلْتُمْ كَمَا كَانَ أَهْلُ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ مِنْ أَتْبَاعِ الأَنْبِيَاءِ قَبْلَكُمْ يَفْعَلُونَهُ إِذَا قُتِلَ نَبِيُّهُمْ، مِنَ الْمُضِيِّ عَلَى مِنْهَاجِ نَبِيِّهِمْ وَالْقِتَالِ عَلَى دِينِهِ أَعْدَاءَ دِينِ اللَّهِ عَلَى نَحْوِ مَا كَانُوا يُقَاتِلُونَ مَعَ نَبِيِّهِمْ، وَلَمْ تَهِنُوا وَلَمْ تَضْعُفُوا كَمَا لَمْ يَضْعُفِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْبَصَائِرِ مِنْ أَتْبَاعِ الأَنْبِيَاءِ إِذَا قُتِلَ نَبِيُّهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ صَبَرُوا لِأَعْدَائِهِمْ حَتَّى حَكَمَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ وَبِذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ جَاءَ تَأْوِيلُ الْمُتَأَوِّلِ. @


الصفحة التالية
Icon