وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ﴾ فانه يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَيُرِيدُ هَؤُلاَءِ الْيَهُودُ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمْ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ أَنْ تَضِلُّوا أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُصَدِّقِينَ بِهِ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ، يَقُولُ : أَنْ تَزُولُوا عَنْ قَصْدِ الطَّرِيقِ، وَمَحَجَّةِ الْحَقِّ، فَتُكَذِّبُوا بِمُحَمَّدٍ، وَتَكُونُوا ضُلاَّلاً مِثْلَهُمْ.
وَهَذَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَحْذِيرٌ مِنْهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَنْصِحُوا أَحَدًا مِنْ أَعْدَاءِ الإِسْلاَمِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ، أَوْ أَنْ يَسْمَعُوا شَيْئًا مِنْ طَعْنِهِمْ فِي الْحَقِّ.
ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ عَدَاوَةِ هَؤُلاَءِ الْيَهُودِ الَّذِينَ نَهَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَنْصِحُوهُمْ فِي دِينِهِمْ إِيَّاهُمْ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْكُمْ بِعَدَاوَةِ هَؤُلاَءِ الْيَهُودِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، يَقُولُ : فَانْتَهُوا إِلَى طَاعَتِي فيَمَّا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ مِنِ اسْتِنْصَاحِهِمْ فِي دِينِكُمْ، فَإِنِّي أَعْلَمُ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ لَكُمْ مِنَ الْغِشِّ وَالْعَدَاوَةِ وَالْحَسَدِ وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَبْغُونَكُمُ الْغَوَائِلَ، وَيَطْلُبُونَ أَنْ تَضِلُّوا عَنْ مَحَجَّةِ الْحَقِّ فَتَهْلِكُوا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾ فَإِنَّهُ يَقُولُ : فَبِاللَّهِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فَثِقُوا، وَعَلَيْهِ فَتَوَكَّلُوا، وَإِلَيْهِ فَارْغَبُوا دُونَ غَيْرِهِ، يَكْفِكُمْ مَا أَهَمَّكُمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ. @


الصفحة التالية
Icon