﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا﴾ يَقُولُ : وَكَفَاكُمْ وَحَسْبُكُمْ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ وَلِيًّا يَلِيكُمْ وَيَلِي أُمُورَكُمْ بِالْحِيَاطَةِ لَكُمْ وَالْحِرَاسَةِ مِنْ أَنْ يَسْتَفِزَّكُمْ أَعْدَاؤُكُمْ عَنْ دِينِكُمْ أَوْ يَصُدُّوكُمْ عَنِ اتِّبَاعِ نَبِيِّكُمْ ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾ يَقُولُ : وَحَسْبُكُمْ بِاللَّهِ نَاصِرًا لَكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ وَأَعْدَاءِ دِينِكُمْ، وَعَلَى مَنْ بَغَاكُمُ الْغَوَائِلَ، وَبَغَى دِينَكُمُ الْعِوَجَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونُ إِلاَّ قَلِيلاً﴾
وَلِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ﴾ وَجْهَانِ مِنَ التَّأْوِيلِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ :
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ فَيَكُونَ قَوْلُهُ :﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾ مِنْ صِلَةِ الَّذِينَ. وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ كَانَتْ عَامَّةُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يُوَجِّهُونَ. قَوْلَهُ :﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ﴾.
وَالآخَرُ مِنْهُمَا : أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : مِنَ الَّذِينَ هَادُوا مَنْ يُحَرِّفُ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ. فَتَكُونَ مِنْ مَحْذُوفَةً مِنَ الْكَلاَمِ اكْتِفَاءً بِدَلاَلَةِ قَوْلِهِ :﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾ عَلَيْهَا.
وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ لَوْ ذُكِرَتْ فِي الْكَلاَمِ كَانَتْ بَعْضًا لِمِنْ، فَاكْتَفَى بِدَلاَلَةِ مِنْ عَلَيْهَا، وَالْعَرَبُ تقولُ : فى مبتدا الكلام مِنَّا مِنْ يَقُولُ ذَلِكَ، وَمِنَّا لا يَقُولُهُ، بِمَعْنَى : مِنَّا مَنْ يَقُولُ ذَاكَ، وَمِنَّا مَنْ لاَ يَقُولُهُ، فَتُحْذَفُ مِنَ اكْتِفَاءً بِدَلاَلَةِ مِنْ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ ذُو الرُّمَّةِ :.


الصفحة التالية
Icon