وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَمْحُوَ آثَارَهَا وَنُسَوِّيَهَا، فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا بِأَنْ نَجْعَلَ الْوُجُوهَ مَنَابِتَ الشَّعْرِ، كَمَا وُجُوهُ الْقِرَدَةِ مَنَابِتُ لِلشَّعْرِ، لِأَنَّ شُعُورَ بَنِي آدَمَ فِي أَدْبَارِ وُجُوهِهِمْ، فَقَالُوا : إِذَا أَنَبْتَ الشَّعْرَ فِي وُجُوهِهِمْ، فَقَدْ رَدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا بِتَصْيِيرِهِ إِيَّاهَا كَالأَقْفَاءِ وَأَدْبَارِ الْوُجُوهِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَوْلَى الأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا﴾ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ أَبْصَارَهَا وَنَمْحُوَ آثَارَهَا فَنُسَوِّيَهَا كَالأَقْفَاءِ، فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا، فَنَجْعَلَ أَبْصَارَهَا فِي أَدْبَارِهَا.
يَعْنِي بِذَلِكَ : فَنَجْعَلَ الْوُجُوهَ فِي أَدْبَارِ الْوُجُوهِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ : فَنُحَوِّلَ الْوُجُوهَ أَقْفَاءَ، وَالأَقْفَاءَ وُجُوهًا، فَيَمْشُواَ الْقَهْقَرَى، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطِيَّةُ وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَاطَبَ بِهَذِهِ الآيَةِ الْيَهُودَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ بِقَوْلِهِ :﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ﴾ ثُمَّ حَذَّرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ الآيَةُ، بَأْسَهُ وَسَطْوَتَهُ، وَتَعْجِيلَ عِقَابِهِ لَهُمْ إِنْ هُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِمَا أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِهِ، وَلاَ شَكَّ أَنَّهُمْ كَانُوا لِمَا أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِهِ يَوْمَئِذٍ كُفَّارًا. @


الصفحة التالية
Icon