وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبَيِّنٌ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ : تَأْوِيلُ ذَلِكَ من قبل أَنْ نُعْمِيَهَا عَنِ الْحَقِّ فَنَرُدَّهَا فِي الضَّلالَةَ، وَمَا وَجْهُ رَدِّ مَنْ هُوَ فِي الضَّلاَلَةَ فِيهَا ؟ وَإِنَّمَا يُرَدُّ فِي الشَّيْءِ مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهُ، فَأَمَّا مَنْ هُوَ فِيهِ فَلاَ وَجْهَ لِأَنْ يُقَالَ : يَرُدَّهُ فِيهِ.
وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ صَحِيحًا أَنَّ اللَّهَ قَدْ تَهَدَّدَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ بِرَدِّهِ وُجُوهَهُمْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ، كَانَ بَيِّنًا فَسَادُ تَأْوِيلِ مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ يُهَدِّدُهُمْ بَرْدِهِمْ فِي ضَلاَلَتِهِمْ.
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : مَعْنَى ذَلِكَ : مِنْ قَبْلِ أَنْ نَجْعَلَ الْوُجُوهَ مَنَابِتَ الشَّعْرِ كَهَيْئَةِ وُجُوهِ الْقِرَدَةِ فَقَوْلٌ لِقَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مُخَالِفٍ، وَكَفَى بِخُرُوجِهِ عَنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْخَالِفِينَ عَلَى خَطَئِهِ شَاهِدًا.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهَهُمُ الَّتِي هُمْ فِيهَا فَنَرُدَّهُمْ إِلَى الشَّامِ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ بِالْحِجَازِ وَنَجْدَ، فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ قَوْلاً لَهُ وَجْهٌ فمَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، بَعِيدٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنَ الْوُجُوهِ فِي كَلامِ الْعَرَبِ اذا هى ذكرة مطلقه غير موصوله بما يدل على الَّتِي هِيَ خِلافُ الأَقْفَاءِ انه مراد بها التى، وَكِتَابُ اللَّهِ يُوَجَّهُ تَأْوِيلُهُ إِلَى الأَغْلَبِ فِي كَلاَمِ مَنْ نَزَلَ بِلِسَانِهِ حَتَّى مايَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ. @


الصفحة التالية
Icon