الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾
يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَالَّذِينَ مَلَكْتُمُوهُمْ مِنْ أَرِقَّائِكُمْ. فأَضَافَ الْمِلْكَ إِلَى الْيَمِينِ، كَمَا يُقَالَ : تَكَلَّمَ فُوكَ، وَمَشَتْ رِجْلُكَ، وَبَطَشَتْ يَدُكَ، بِمَعْنَى : تَكَلَّمْتَ، وَمَشَيْتَ، وَبَطَشْتَ. غَيْرَ أَنَّ مَا وَصَفْتَ بِهِ كُلَّ عُضْو مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا أُضِيفَ إِلَيْهِ مَا وَصَفْتَ بِهِ، لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَكُونُ فِي الْمُتَعَارَفِ فِي النَّاسِ دُونَ سَائِرِ جَوَارِحِ الْجَسَدِ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِوَصْفِ ذَلِكَ الْعُضْوِ بِمَا وُصِفَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنَ الْكَلاَمِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ لِأَنَّ مَمَالِيكَ أَحَدِنَا تَحْتَ يَدِيهِ، إِنَّمَا يَطْعَمُ مَا تُنَاوِلُهُ أَيمَانُنَا وَيَكْتَسِي مَا تَكْسُوهُ وَتَصْرِفُهُ فِيمَا أَحَبَّ صَرْفَهُ فِيهِ بِهَا. فأُضِيفَ مِلْكُهُمْ إِلَى الأَيمَانِ لِذَلِكَ.
وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
٩٥٤٢- حَدَّثنِي الْمُثَنَّى، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ :﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ مِمَّا خَوَّلَكَ اللَّهُ، كُلُّ هَذَا أَوْصَى اللَّهُ بِهِ
وَإِنَّمَا يَعْنِي مُجَاهِدٌ بِقَوْلِهِ : كُلُّ هَذَا أَوْصَى اللَّهُ بِهِ، الْوَالِدَيْنِ وَذَا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْجَارَ ذَا الْقُرْبَى، وَالْجَارَ الْجُنُبَ، وَالصَّاحِبَ بِالْجَنْبِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، فَأَوْصَى رَبُّنَا جَلَّ جَلاَلُهُ بِجَمِيعِ هَؤُلاَءِ عِبَادَهُ إِحْسَانًا إِلَيْهِمْ، وَأَمَرَ خَلْقَهُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى وَصِيَّتِهِ فِيهِمْ، فَحَقٌّ عَلَى عِبَادِهِ حِفْظُ وَصِيَّةِ اللَّهِ فِيهِمْ ثُمَّ حِفْظُ وَصِيَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


الصفحة التالية
Icon