فَقَدْ ظَنَّ غَيْرَ الصَّوَابِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا وَكَذَا، مُحْتَمَلٌ مِنْ وُجُوهٍ لِأَمْرِ الإِيجَابِ وَالأَرْشَادِ وَالنَّدْبِ وَالإِبَاحَةِ وَالإِطْلاَقِ، وَإِذْ كَانَ مُحْتَمِلاً مَا ذَكَرْنَا مِنَ الأَوْجُهِ، كَانَ أَوْلَى وُجُوهِهِ بِهِ مَا عَلَى صِحَّتِهِ الْحُجَّةُ مُجْمِعَةٌ دُونَ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى صِحَّتِهِ بُرْهَانٌ يُوجِبُ حَقِّيّقَةَ مُدَّعِيهِ. وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْحُجَّةُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُوجِبْ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عَلَى عِبَادِهِ فَرْضَ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلاَةٍ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، فَفِي إِجْمَاعِهَا عَلَى ذَلِكَ الدَّلاَلَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ إِيثَارِهِ فِعْلَ مَا نَدَبَهُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ إِلَى فِعْلِهِ وَنَدَبَ إِلَيْهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ الآيَةُ، وَأَنَّ تَرْكَهُ فِي ذَلِكَ الْحَالِ الَّتِي تَرَكَهُ كَانَ تَرْخِيصًا لِأُمَّتِهِ وَإِعْلاَمًا مِنْهُ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ وَلاَ لاَزِمٍ لَهُ وَلاَ لَهُمْ، إِلاَّ مَنْ حَدَثٍ يُوجِبُ نَقْضَ الطُّهْرِ.
وَقَدْ رُوِيَ بِنَحْو مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ :.
١١٤٠٣- حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ : حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِقَعْبٍ صَغِيرٍ، فَتَوَضَّأَ. قَالَ : قُلْتُ لِأَنَسٍ : أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ. قُلْتُ : فَأَنْتُمْ ؟ قَالَ : كُنَّا نُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ.


الصفحة التالية
Icon