وَالَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ غَيْرُ مَدْفُوعٍ إِمْكَانُهُ، غَيْرَ أَنَّ النَّاسِخَ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ مِنَ الأَمْرِ، هُوَ مَا كَانَ نَافِيًا كُلَّ مَعَانِي خِلاَفِهِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ. فَأَمَّا مَا كَانَ غَيْرَ نَافٍ جَمِيعَهُ، فَلاَ سَبِيلَ إِلَى الْعِلْمِ بِأَنَّهُ نَاسِخٌ إِلاَّ بِخَبَرِ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، أَوْ مِنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ :﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ دَلاَلَةٌ عَلَى الأَمْرِ بِنَفْيِ مَعَانِي الصَّفْحِ وَالْعَفْوِ عَنِ الْيَهُودِ.
وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ جَائِزًا مَعَ إِقْرَارِهِمْ بِالصَّغَارِ وَأَدَائِهِمُ الْجِزْيَةَ بَعْدَ الْقِتَالِ، الأَمْرُ بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ فِي غَدْرَةٍ هَمُّوا بِهَا أَوْ نَكْثَةٍ عَزَمُوا عَلَيْهَا، مَا لَمْ يَنْصُبُوا حَرْبًا دُونَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَيَمْتَنِعُوا مِنَ الأَحْكَامِ اللازِمِتْهُمْ، لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا أَنْ يَحْكُمَ لِقَوْلِهِ :﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ الآيَةُ، بِأَنَّهُ نَاسِخٌ قَوْلَهُ :﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾
يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ : وَأَخَذْنَا مِنَ النَّصَارَى الْمِيثَاقَ عَلَى طَاعَتِي وَأَدَاءِ فَرَائِضِي وَاتِّبَاعِ رُسُلِي وَالتَّصْدِيقِ بِهِمْ، فَسَلَكُوا فِي مِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْتُهُ عَلَيْهِمْ مِنْهَاجَ الأُمَّةِ الضَّالَّةِ مِنَ الْيَهُودِ، فَبَدَّلُوا كَذَلِكَ دِينَهُمْ وَنَقَضُوا نَقْضَهُمْ وَتَرَكُوا حَظَّهُمْ مِنْ مِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْتُهُ عَلَيْهِمْ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِي وَضَيَّعُوا أَمْرِي. كَمَا :.
١١٦٥٣- حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ :﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ نَسُوا كِتَابَ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَعَهْدَ اللَّهِ الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْهِمْ، وَأَمْرَ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ.