وَقَوْلُهُ :﴿إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ يَقُولُ : مَنْ ذَا الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يَرُدَّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ شَاءَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ بِإِعْدَامِهِ مِنَ الأَرْضِ وَإِعْدَامِ أُمِّهِ مَرْيَمَ، وَإِعْدَامِ جَمِيعِ مَنْ فِي الأَرْضِ مِنَ الْخَلْقِ جَمِيعًا. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلاَءِ الْجَهَلَةِ مِنَ النَّصَارَى لَوْ كَانَ الْمَسِيحُ كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ هُوَ اللَّهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لَقَدَرَ أَنْ يَرُدَّ أَمْرَ اللَّهِ إِذَا جَاءَهُ بِإِهْلاكِهِ وَإِهْلاكِ أُمِّهِ، وَقَدْ أَهْلَكَ أُمَّهُ فَلَمْ يَقْدِرِ عَلَى دَفْعِ أَمْرِهِ فِيهَا إِذْ نَزَلَ ذَلِكَ، فَفِي ذَلِكَ لَكُمْ مُعْتَبَرٌ إِنِ اعْتَبَرْتُمْ، وَحُجَّةٌ عَلَيْكُمْ إِنْ عَقِلْتُمْ فِي أَنَّ الْمَسِيحَ بَشَرٌ كَسَائِرِ بَنِي آدَمَ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الَّذِي لاَ يُغْلَبُ وَلاَ يُقْهَرُ وَلاَ يُرَدُّ لَهُ أَمْرٌ، بَلْ هُوَ الْحَيُّ الدَّائِمُ الْقَيُّومُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَيُنْشِئُ وَيُفْنِي، وَهُوَ حَيُّ لاَ يَمُوتُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾
يَعْنِي تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذَلِكَ : وَاللَّهُ لَهُ تَصْرِيفُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، يَعْنِي : وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، يُهْلِكُ مَا يَشَاءُ مِنْ ذَلِكَ، وَيُبْقِي مَا يَشَاءُ مِنْهُ، وَيُوجِدُ مَا أَرَادَ، وَيُعْدِمُ مَا أَحَبَّ، لاَ يَمْنَعُهُ مِنْ شَيْءٍ أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ، وَلاَ يَدْفَعُهُ عَنْهُ دَافِعٌ ؛ يُنْفِذُ فِيهِمْ حُكْمَهُ، وَيُمْضِي فِيهِمْ قَضَاءَهُ، لاَ الْمَسِيحُ الَّذِي إِنْ أَرَادَ إِهْلاَكَهُ رَبُّهُ وَإِهْلاَكَ أُمِّهِ، لَمْ يَمْلِكْ دَفْعَ مَا أَرَادَ بِهِ رَبُّهُ مِنْ ذَلِكَ.